بغداد - أ ف ب - اتخذت سرقة مصرف الزوية نهاية الشهر الماضي منحًى سياسياً وتحولت الى مصدر سجال إعلامي، وخصوصاً بعد إعلان وزير الداخلية جواد البولاني تورط عناصر من فوج حماية عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية. وكان مسلحون تمكنوا فجر 28 تموز (يوليو) الماضي وفي عملية مخطط لها في شكل جيد، من دخول فرع الزوية لمصرف الرافدين في منطقة الكرادة (وسط بغداد) من دون خلع أو كسر، وقتل ثمانية من حراسه وسرقة ثمانية بلايين ونصف بليون دينار (حوالى 3.8 مليون دولار). وبعد ثلاثة أيام من العملية، أعلن وزير الداخلية اعتقال ثلاثة من المتورطين فيها بينهم النقيب جعفر لازم الذي ينتمي الى الفوج الرئاسي الخاص وضابط آخر برتبة ملازم. وأكد البولاني أن العملية تقف وراءها جهات سياسية نافذة. وعلى إثر هذه التصريحات، نشر الموقع الالكتروني «براثا» القريب من «المجلس الأعلى الاسلامي»، الذي يعد عبد المهدي من أبرز قيادييه، مقالاً وصف فيه وزير الداخلية ورئيس الوزراء نوري المالكي بأنهما «نائمان». واتهم الموقع البولاني الذي ينتمي الى «الحزب الدستوري» (علماني) بمحاولة سرقة جهود الآخرين. ودانت وزارة الداخلية في بيان الجمعة الماضي المقال الذي نشره الموقع، وقالت: «كالمعتاد مع كل أزمة مهما كان حجمها، تنبري الأبواق لإحداث ضجيج تصريحات من أجل التغطية على حجم الفعل المرتكب». وفي اليوم التالي، أعلنت الداخلية على لسان الناطق باسمها أن القضية جنائية نفذها ضباط في الجيش العراقي، وليس وراءها دوافع سياسية، مشيرة بذلك الى تلميحات إعلامية إلى أن هذه القضية تستخدم في إطار الحملات الانتخابية. من جهته، سارع نائب رئيس الجمهورية في الأول من آب (اغسطس) الجاري الى تكريم فوج حمايته تثميناً لدورهم في ملاحقة وإلقاء القبض على المشتبه بهم في عملية سرقة مصرف. ومع ذلك، لم تقف القضية عند هذا الحد إذ أخذت وسائل إعلام وكتّاب يلوحون بتورط عبد المهدي في القضية، فيما كرست وسائل إعلام «المجلس الأعلى»، لنفي أي تورط لنائب الرئيس في هذه القضية والإشادة بموقفه ودوره في كشف المتورطين في القضية. وأصدر عبد المهدي في الثاني من آب (أغسطس) الجاري بياناً توضيحياً آخر رداً على التهم التي وجهت اليه. وقال «إن النجاح في أداء الواجب لوقف الجريمة المنظمة لم يفسده سوى التسييس وصور الخيال». ورأى أن «هذه الأفعال المتسرعة المقصودة أو غير المقصودة من العوامل القاتلة التي لا تسمح بالتعامل المهني والمسؤول مع مثل هذه الأحداث، عندما تقع فهي تقود الى شق وحدة الموقف ضد الجريمة والفساد وإضعافه وخلط الأوراق وتشويش الأذهان». ودعا عبد المهدي الجميع «من مسؤولين وسياسيين وإعلاميين»، إلى «التصدي لهذه المسؤولية لوقفها»، معتبراً أن «التعامل مع هذه القضايا الحساسة بانفعال واتهامات جاهزة هي من أخلاقيات الاستبداد والتخلف والقتل المتبادل والحقد الأعمى الذي لن يوفر أحداً، وهو ما دفعنا ثمنه غالياً». وقال: «إننا كمسؤولين أو كمعارضين يجب ألا نتورط في مثل هذه السلوكيات التي هي نار تحرق الجميع وفتنة هي أشد من القتل». وأكد أن «الوقوف ضد الباطل ومع الحق هو الولاء الأول والأخير الذي يكشف معدن الرجال، لا الوقوف مع المطامح والانتماءات والولاءات والعصبيات». وطالب المسؤولين بإصدار بيان لتوضيح الحقائق. وأعلن وزير الداخلية بعد ذلك «التعرف إلى هوية» مرتكبي العملية، مشيراً الى «اتصالات مكثفة»، مع «جهات متورطة»، لتسليم الفاعلين. وبعد موجة إعلامية صاخبة أدارتها مواقع إخبارية الكترونية في مقدمها موقع «كتابات» (مستقل)، ودفاع وتوضيحات من مواقع وفضائيات تابعة ل «المجلس الأعلى»، أصدرت وزارة الداخلية يوم الاربعاء الماضي بياناً جديداً أكدت فيه أن النائب أبلغ رئيس الوزراء بأن عصابة من فوج الحماية الخاص به كانت وراء ارتكاب الجريمة البشعة. وأكد البيان أن نائب الرئيس أبدى استعداده التام لاعتقال أفراد العصابة وتسليمهم إلى وزارة الداخلية وإعادة الأموال المسروقة التي في حوزتهم، مشدداً على الاتفاق على ذلك مع المالكي. وأشار الى أن «المالكي كان يجري الاتصالات مع نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية ليلة العملية الإجرامية من أجل تسليم المجرمين». وأشار الى «اعتقال خمسة متورطين في العملية والأموال المسروقة، فيما هرب المسؤولان المباشران عن العملية من قبضة العدالة إلى جهات مجهولة خارج العراق». وأشاد عبد المهدي في بيان أصدره مكتبه الإعلامي الخميس ببيان الوزارة، واعتبر أنه «أزال كثيراً من الغموض والالتباسات التي تحدثت سابقاً عن وجود دوافع سياسية وراء هذه الجريمة، وهذا أمر مهم لتنوير الرأي العام». لكنه أكد أن «البيان كذلك حمل خطأ (...) نظن أن غير اشخاص هم من ينتمون إلى فوج الحماية المستقل. أما البقية فهم ينتسبون الى وحدات ومؤسسات أخرى، كما كشفت التحقيقات».