باتت «الجمعية التأسيسية» لكتابة الدستور في مصر في مهب الريح بعدما أعلنت الكنائس انسحاب ممثليها منها وأيضاً بعدما انسحب أمس أعضاء «الهيئة الاستشارية»، وسط توقعات بإعلان عدد من ممثلي القوى المدنية في الجمعية انسحابهم منها اليوم، وفق ما كشف عضو الجمعية الدكتور وحيد عبدالمجيد ل «الحياة». وكان 24 من أعضاء الجمعية وهيئتها الاستشارية، علّقوا عضويتهم فيها وهددوا في بيان بالانسحاب منها ما لم تصحح مسارها، ومن بينهم عبدالمجيد وعمرو موسى ورئيس حزب «غد الثورة» الدكتور أيمن نور. وقال عبدالمجيد ل «الحياة»: «سنعقد اجتماعاً مساء اليوم (أمس)، وسنعلن انسحابنا غداً (اليوم) في مؤتمر صحافي بسبب صعوبة الاستمرار في هذه العملية». لكن عبدالمجيد لم يحدد عدد المنسحبين، وقال إن الأمر مرهون بالاجتماعات التي ستعقد مساء «ولو انتهى الأمر إلى انسحابي بمفردي سأفعل، لكن آخرين سينسحبون». وعقدت الهيئة العليا لحزب الوفد اجتماعاً مساء أمس لتحديد موقف من المشاركة في الجمعية. وأعلن أعضاء «الهيئة الاستشارية» في الجمعية التأسيسية أمس انسحابهم منها وعزمهم إتمام عملهم خارج نطاق الجمعية وتقديم صيغة مكتملة للدستور الذي «يليق بمصر ويحقق أهداف الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية». وقالت اللجنة في بيان أمس إنها «طلبت مرات عدة إتاحة الفرصة لها لسماع مقترحاتها وتعديلاتها وشرح أسبابها، إلا أن الجمعية التأسيسية لم تستجب لهذا المطلب الضروري بتخصيص جلسة كاملة لهذا الغرض، وتم إبلاغنا بأنه لا يوجد متسع من الوقت لتخصيص جلسة كاملة لسماع مقترحات أعضاء الهيئة التي قدمت اقتراحاً بالاجتماع مع لجنة الصياغة حتى تؤخذ تعديلاتها بعين الاعتبار قبل عرض الصياغة شبه النهائية على الجمعية التأسيسية للتصويت عليها، إلا أنه لم يُقبل بهذا المقترح». وأضاف البيان: «لم تتم الاستفادة من اللجنة الاستشارية المتخصصة وأصبح دورها صورياً لا قيمة له». وحرص البيان على تأكيد أن هذا الموقف لا صلة له ب «انسحاب أطراف أخرى»، في إشارة إلى الكنائس، مشيراً إلى أن «معظم تعديلات اللجنة لا تتعلق بمواد الشريعة بل بمواد تتعلق بصميم التوازن بين السلطات وعدم التخلي عن التقاليد الدستورية والأخذ في الاعتبار طموحات الإنسان المصري». وذكر البيان أن «أعضاء الهيئة الاستشارية لاحظوا أن مسوّدة الدستور التي يعملون عليها تتغير بشكل مستمر بلغ في بعض الأحيان معدلاً يومياً من دون بيان بأسباب التغيير وخلفية المفاوضات السياسية الكامنة وراءه، ومن دون الإشارة إلى مواضع التغيير في المسوّدة الجديدة». ووقع على البيان الفقيه الدستوري أحمد كمال أبوالمجد والدكتورة سعاد الشرقاوي والإعلامي حمدي قنديل واستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة والدكتورة هبة رؤوف عزت والدكتور محمد السعيد ادريس. من جانبه، أعلن أسقف عام البحيرة قائمقام بطريرك الأقباط الأنبا باخوميوس، انسحاب الكنائس المصرية رسمياً من الجمعية التأسيسية للدستور، احتجاجاً على بعض الممارسات في الجمعية. وتلا الأنبا باخوميوس في مؤتمر صحافي في دير الأنبا بيشوي بيان الكنائس المصرية الذي جاء فيه: «تابعت الكنائس المصرية باهتمام أعمال الجمعية التأسيسية للدستور (لكنها) استشعرت عدم ارتياح عام للاتجاهات التي سادت كتابة النصوص الدستورية المطروحة واستشارات اللجان الفرعية»، معتبراً أن «الدستور المزمع صدوره بصورته الحالية لم يحقق التوافق الوطني المنشود ولا يعبر عن هوية مصر التعددية الراسخة عبر الأجيال، وخرج عن التراث الدستوري المصري الذي ناضل من أجله المصريون جميعاً مسلمين ومسيحيين وانتقص من الحقوق والحريات والمواطنة التي اكتسبها المصريون عبر العصور». وأضاف: «حفاظاً على الهوية المصرية، ننسحب من الجمعية التأسيسية، آملين في أن نصل مع بقية الشعب المصري ومؤسساته وقواه الوطنية إلى إنجاز دستوري يعبر عن طموحات المصريين». ورد القطب السلفي عضو الجمعية التأسيسية ياسر برهامي على هذه الانسحابات بالتأكيد على أنه «في حال تم حل الجمعية التأسيسية، فإن هناك أمرين: إما أن يتم انتخاب جمعية تأسيسية جديدة من قبل الشعب مباشرة أو أن يتم تعيينها من قبل رئيس الجمهورية، وفي الحالة الأخيرة لن يقبل السلفيون أن تكون نسبة تمثيل التيارات الإسلامية فيها أقل منها في مجلس الشعب السابق ومجلس الشورى»، وهي نسبة تناهز 70 في المئة. وقال برهامي إن «الدعوة السلفية اتخذت خطوات لإرساء تحكيم شرع الله في دستور مصر». وأضاف في بيان أصدره حزب «النور» السلفي، أن «إضافة مبدأ الشورى في المادة الأولى للدستور أدت إلى تقييد معنى الديموقراطية المطلق والذي كان يصطدم صراحة مع الشرع الحنيف وبذلك أصبحت الديموقراطية لا تحل حراماً ولا تحرّم حلالاً». واعتبر برهامي في حديثه خلال ندوة عقدتها الدعوة السلفية، أن انسحاب ممثلي الكنائس «أمر يضر بالطوائف المسيحية نفسها». وقال: «هذا الأسلوب في الضغط غير مقبول، خصوصاً أن هيئة كبار العلماء في الأزهر هي من قامت بتفسير كلمة مبادئ الشريعة، كما أن هذا التفسير وقّع عليه مندوب الكنيسة ولم تعترض عليه الكنيسة».