شهد الأردن بعد صلاة الجمعة أمس عشرات الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات التي انطلقت في العاصمة عمان والمدن والقرى، إضافة إلى المخيمات الفلسطينية، في ما أطلق عليه ناشطون «جمعة الغضب»، وسط هتافات تصعيدية أطلقها الآلاف من كوادر جماعة «الإخوان المسلمين» الذين رفعوا للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات قبل عام ونصف العام شعار «إسقاط النظام». وجاءت تظاهرات الأمس عقب ثلاثة أيام من الصدامات بين المحتجين وقوات الأمن إضافة إلى التظاهر المتواصل ضد قرار الحكومة زيادة أسعار المحروقات. وخرجت تظاهرة حاشدة شارك فيها نحو 15 ألفاً من كوادر جماعة «الإخوان» ونشطاء عن حراكات شبابية وعشائرية من أمام المسجد الحسيني بوسط عمان. وحاول هؤلاء التوجه إلى مقر الديوان الملكي في منطقة رغدان التي تبعد قرابة 7 كيلومترات عن موقع التظاهرة، لكن قوات الدرك والشرطة الأردنية حالت دون وصولهم اليها، فيما وقعت اشتباكات محدودة بينها وبين المتظاهرين. كما فصلت الشرطة بين تظاهرة المعارضين وتظاهرة أخرى تجمع فيها العشرات من الموالين للحكومة. ورفع المتظاهرون المعارضون لافتات كتب عليها «اللعب بالأسعار يعني اللعب بالنار» و»لا إصلاح إلا بتغيير النهج السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد» و»تعيش انتفاضة الشعب الأردني». وكان اللافت في تظاهرة المعارضة التي انتهت بالدعوة إلى تظاهرات مسائية، ترديد جماعة «الإخوان» هتافات غاضبة طاولت للمرة الأولى القصر الملكي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مباشرة، بعدما كانت هذه الهتافات محصورة بالحراكات العشائرية داخل المحافظات والمدن النائية. ولوحظ خلال التظاهرة غياب غالبية قيادات الجماعة التي دعت إلى التظاهر مجدداً في قلب دوار الداخلية، الذي يعتبر من أكثر المناطق حساسية في البلاد ليل الجمعة - السبت. ونفى الرجل الثاني في جماعة «الإخوان»، زكي بني أرشيد، أن تكون الجماعة غيّرت لغة خطابها وسقف هتافها، بعد أن ردد الآلاف من كوادرها شعار «إسقاط النظام». وقال ل»الحياة» إن «شعار إسقاط النظام أصبح شعاراً متداولاً بعد أن كان معزولاً في الأيام الماضية... قرار رفع الأسعار استفز مشاعر الأردنيين». وأضاف: «المطلوب قرار حاسم وانعطافة سريعة من الملك، لتهدئة الأوضاع في الشارع، قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة». وأكد بني أرشيد أن جماعته ملتزمة شعار «إصلاح النظام»، قائلا إن «كوادر الحركة المتواجدين في الشارع لا يعبرون عن قرارات الجماعة وإنما مؤسساتها الرسمية». لكنه أوضح أن «حركة الشارع يجب أن تلتقط بشكل جيد». وفي موازاة ذلك، خرجت تظاهرات حاشدة في معان والطفيلة والكرك (جنوب)، والمفرق والزرقاء (شرق)، والسلط (وسط) وعجلون وجرش وإربد (شمال). وقال ناشطون في بيان إن من يوصفون ب «البلطجية» اعتدوا على تظاهرة أثناء خروجها من مسجد نوح القضاة في إربد، كانت تطالب بالتراجع عن قرار رفع الأسعار. واستخدمت قوات الدرك قنابل الغاز المسيّل للدموع لمنع وقوع اشتباكات بين معتصمين ضد رفع الأسعار ومؤيدين للحكومة في المفرق (شرق). ورفض المعارضون في هذه التظاهرة قرار رفع الأسعار، مرددين هتافات تطالب بإسقاط النظام. وفي محافظة مأدبا (شرق) تعرض مقر جماعة «الإخوان» للحرق والتخريب من قبل مجهولين. وحالت قوات الدرك دون وقوع اشتباك بين تظاهرتين في المدينة الأولى نظمتها الحركة الإسلامية وأخرى مؤيدة للحكومة. وتدحرجت كرة الاحتجاجات نحو المخيمات الفلسطينية (شرق البلاد وشمالها)، وشهد مخيم البقعة أكبر مخيمات اللاجئين احتجاجات شعبية عارمة، استخدمت فيها قوات الدرك الغاز المسيّل للدموع، لتفريق المحتجين. وقال شهود عيان ل «الحياة» إن «مواجهات متقطعة تحدث منذ ليل الخميس - الجمعة بين قوات الدرك ومحتجين في المنطقة»، في وقت قام شبان غاضبون بإشعال الإطارات المطاطية في الشوارع العامة القريبة من المخيم. وتطور الامر في مخيم الحسين وسط عمان ومخيم «عزمي المفتي» (شمال). وفي تطور آخر، وافق ذوو الشاب قيس العمري الذي قتل أول من أمس أثناء الاحتجاجات المنددة برفع الأسعار في لواء الوسطية بإربد (شمال)، على تسلم جثة ابنهم، وتم دفنه بعد صلاة الجمعة في مقبرة بلدته كفر أسد. وقرر ذوو العمري دفن ابنهم بعد الموافقة على مطالبهم بفتح تحقيق مشترك بين جهازي الأمن والقضاء، للكشف عن هوية قاتله. وأثناء التشييع قام محتجون بتحطيم مركبات الإطفاء التابعة لمركز الدفاع المدني التابع للواء الوسطية، كما قاموا بإحراق مبنى البلدية في بلدة كفر أسد. وكانت عمان عاشت ليل الخميس - الجمعة حالا من التوتر إثر تظاهرات غاضبة كان أبرزها تلك التي تجمع فيها المئات من الشبان عند بوابة الديوان الملكي وهتفوا بإسقاط النظام، بشكل اعتبره سياسيون ومحللون «تحولا» في مسار الحراك الأردني، لا سيما بعدما أعلن رئيس الوزراء عبدالله النسور إصرار حكومته على عدم التراجع عن قرارات رفع الأسعار. وكانت الاحتجاجات اندلعت مساء الثلثاء بعد زيادة أسعار المشتقات النفطية بنسب راوحت بين 10 و 53 في المئة لمواجهة عجز الموازنة. وقالت الحكومة إنها ستقوم بتعويض الأسر الفقيرة. وفي واشنطن، اعتبر مساعد الناطقة باسم الخارجية الأميركية مارك تونر مساء الخميس أن الأردن «شريك استراتيجي مهم»، رغم أحداث العنف، لكنه أضاف أن «الشعب الأردني لديه مخاوف اقتصادية وسياسية ولديه تطلعات، كما رأينا في مناطق أخرى، ثمة تعطش للتغيير في الأردن». من جانبها، دعت المملكة العربية السعودية مواطنيها في الأردن إلى تجنب أماكن التظاهرات لا سيما دوار الداخلية وسط العاصمة، وحذرت سفارة المملكة في عمان في بيان «الموظفين والطلاب السعوديين في الأردن من الذهاب للميادين العامة والوقوف عند مناطق التجمعات والتظاهرات»، ودعتهم الى «الابتعاد كلياً عن منطقة العبدلي في العاصمة عمان وخصوصاً دوار الداخلية»، كما أهابت بهم عدم الذهاب الى الدراسة.