يجد محامون أن تسليط «السلطة الرابعة» الضوء على بعض القضايا قبل البت فيها وصدور الحكم النهائي يتسبب في «فساد التفكير والتنفيذ»، واصفين بعض زملائهم ب«المتسلقين على ظهور موكليهم، لتحقيق نجومية وشهرة كاذبة، بالتوجه الخاطئ نحو الإعلام، بدلاً من طرق أبواب المحاكم». فيما يجد قسم آخر من المحامين أن النشر بحسب لوائح النظام هو «تنبيه للمجتمع، ونشر لأحكام الدين الحنيف ومكارم الأخلاق، مادام لا يشكل ذلك مخالفة شرعية أو نظامية أو تسليط جهات خارجية، للضغط على الدولة ومؤسساتها». يقول المحامي الدكتور ماجد قاروب في تصريح إلى «الحياة»: «إن الإعلام أسهم في تحويل بعض المحامين إلى نجوم، فيما اكتشف أخيراً أن بعضهم لم يحصلوا على مؤهل جامعي في الحقوق، إضافة إلى أن بعضهم بلغوا مرحلة الدكتوراه، ويتم التعامل معهم على أنهم محامون ومستشارون قانونيون، ويترأسون مراكز عليا قانونية، ولكن بشهادات غير مرخصة»، لافتاً إلى أنه يمكن التعرف على هذا النوع من خلال «سعيهم الدؤوب للاتصال بالإعلام، للحصول على المزيد من الشهرة». وطالب الإعلام ب «وقف التطرق إلى القضايا المنظورة في المحاكم، إلا بعد صدور الحكم النهائي الواجب النفاد، ليصبح الحديث عن هذه القضايا حقاً لجميع فئات المجتمع، للإفادة منه كسابقة قضائية». وأبدى قاروب تحفظه على تسليط الإعلام الضوء على قضايا منظورة في المحاكم، موضحاً أنه «وفقاً لمبادئ الإعلام والقانون الصحيح، لا يجوز التعاطي مع أية قضية منظورة في المحاكم»، مشيراً إلى أن الأمر له «تأثيرات سلبية، ولن يحقق النتيجة المرجوة». وعزا السبب إلى كون الأحكام الابتدائية «غير نافذة، ما لم يصدر حكم نهائي في القضية، يتم بمقتضاه التعرف على أسباب الحكم ومعطياته، ما يتعارض مع الغاية المنشودة من نشر الأحكام، والمتمثلة في نشر الثقافة والتوعية الحقوقية في أوساط المجتمع». ووصف محامين يلجأون إلى الإعلام، لطرح قضاياهم المنظورة، ب«المقصرين في عملهم كمحامين، وهم بهذا يبحثون عن وسيلة للدعاية والإعلام عن أنفسهم على حساب الحياد، واستغلال القضاء وسرية معلومات الموكلين». وأضاف: «حين أوكلت لهم القضايا، لم يُطلب منهم التوجه إلى الإعلام، إنما إلى المحاكم المختصة، ما اعتبره خروجاً عن الوكالة والنص»، لافتاً إلى أنه يؤيد نشر القضايا والسوابق القضائية والأحكام المنتهية، «أما المنظورة في المحاكم فالحديث عنها تشويش وتضليل، قد يفسد رأي المجتمع في قضائه وقضاته». وحول بعض القضايا التي طرحها الإعلام ولقيت تجاوباً من الجهات المعنية، أوضح قاروب أن ذلك «صحيح، وتلك كانت تجاوزات إدارية، وليست قضايا في المحكمة، وتعاملتْ معها الجهات المختصة، إيماناً بدور سلطة الإعلام، التي يجب ألا تتجاوز المفاصل الرئيسة». ووصف تجارب بعض المحامين في نشر قضايا موكليهم، وعدم التحفظ على سرية معلوماتهم الخاصة ب»السيئة»، مشيراً إلى أنهم بهذا «حولوا قضاياهم إلى قضايا رأي عام، وخالفوا مبادئ المهنة، وخرجوا بوكالتهم عن المسار الطبيعي، معتقدين أنهم بهذا يستطيعون تغيير حكم القاضي، وهو فساد في التفكير والتنفيذ». واستشهد بمثال: «تابعنا قضايا متعلقة في الأخطاء الطبية، وهناك من حاول تحوير القضية إلى جنائية، وقتل، وإغلاق المستشفى، وإيقاف الطبيب، وطلب تعويضات مهولة، لكن القضية انتهت إلى ما هو موجود في النظام، وفي حدود المخالفة الطبيعية المنصوص عليها في النظام، إذ إن الخطأ الطبي لا يمكن أن يتحول إلى عمد، فيما أخذ محامي القضية شهرة كذابة، فضلاً عن كون معدل الأخطاء الطبية في المملكة يبلغ نحو (9) في المئة، وفق إحصائية وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، وتعتبر المملكة من الدول قليلة الأخطاء، بما نسبته (1) في المئة عالمياً». مشيراً إلى أن تناول الإعلام لقضايا الأخطاء الطبية «جعل الناس يخافون من الطب والأطباء»، مطالباً ب»تعاون الإعلام بالاكتفاء في النشر بعد صدور الأحكام النهائية في القضايا». وفي السياق نفسه، قال المحامي يوسف العرفج ل»الحياة»: «هناك قضايا لا بد أن يكون في طريقة نشرها إعلامياً صدقية، لكن من وجهة نظر طرفي القضية، وليس من وجهة نظر واحدة»، موضحاً أن «المحامي سيذكر ما يصب في صالحه، لإثارة القضية في الإعلام، للضغط على القضاء بتسريع القضية، أو الانحراف بالقضية إلى منحى آخر، يصب في صالحه، واستغلال الإعلام في هذا الصدد». وأكد العرفج أنه «ضد أن يتجه المحامي إلى الإعلام، لكسب الشهرة على حساب موكله، بتحويلها إلى الرأي العام»، واصفاً هذا النوع من المحامين ب»الفاشلين»، موضحاً أن تصرفهم «يتناقض في صدقهم مع موكليهم»، واستشهد بما حدث في قضية «فتاة قادت سيارة، وظهر والدها مؤكداً عدم توكيله محامٍ تطوع للقضية، فيما خرجت الفتاة أيضاً لتتبرأ من توكيله، ولكن المحامي استغل قضيتها كمحامٍ تطوع من ذاته». وحذّر المجتمع من «المحامين المتطوعين في قضايا الرأي العام»، موضحاً أنهم «لا يريدون بذلك الوقوف بصف القضية، أو المتهم أو الوصول إلى الحق، إنما الوصول إلى الشهرة، وهذا تشويه لثقافة المواطن، الذي لا يملك التمييز بين المحامين المحترفين، لعدم حضور المواطن في الجلسات العامة، ما يفقده القدرة على التمييز بين المحامين». وقال: «إن بعض المحامين يتواصلون مع القنوات الإعلامية، وهو ما ترحب به وسائل الإعلام، طالما أنه سيذهب على حسابه الخاص للحديث من وجهة نظره، وأنا ضد أن يتم الأمر من دون وجود الطرف الآخر في القضية، إما المُدعي العام أو الخصم أو القاضي نفسه، ليتخذ النقاش مجراه الصحيح». وذكر العرفج أن نشر القضايا يكون ضرورياً حين «تتخذ القضية مجراها كظاهرة، وتتناولها وسائل الإعلام المختلفة في شكل مشوّه أو لحساب جهة معينة». ودعا المحامي في هذا الوقت إلى «التصريح للصالح العام، وليس لصالحه، كما تفعل وزارة الداخلية، حينما تعرف تماماً متى وكيف تصرح بشفافية وصدق وقت اللزوم، وعلى المحامي أن يصرح بالحقائق في الشكل النظامي والحقيقي»، مبدياً معارضته «نشر قضايا ضد القبائل أو الدولة قبل صدور الحكم الأخير، لأن هذه فتنة، والتصريح لا بد أن يتم في حضور الجهات الأخرى، حتى لا نشوش على المجتمع، ليتم تقبلها في الشكل الحقيقي الواقعي». وأضاف: «يحدث الخلل حين يكون المحامي يعمل بمفرده، ولا توجد لديه هيئة وطنية، أو نقابة محامين أو يوجد مركز، سواء من وزارة العدل أم لجان المحامين ينتمي إليهم، إذ لا يوجد مصدر موحد للمحامين». واقترح «إنشاء نقابة للمحامين، وإيجاد محامٍ للقضايا التي ترفع ضد المحامين، ويكون بارعاً في انتقاء ألفاظه»، لافتاً إلى أن عدم توافر ضوابط «ترك لبعض المحامين الحرية في التصاريح غير المدروسة»، موضحاً أن «القاضي إذا كان لديه لقاء صحافي، يستأذن من وزارة العدل، لكن المحامي يستأذن مِمَن؟ حتى نظام المحاماة لم ينص على أن المحامي لا يصرح إلا بعد الاستئذان من جهة معينة».