قال مصدر ديبلوماسي أوروبي مطّلع على الوضع في لبنان أن بريطانيا نصحت رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بالتعامل مع قضية ميشال سماحة «كما يجب، بحيث تتم محاكمته وفق الأصول، باعتبار أن لدى القضاء اللبناني البراهين الكافية للمحاكمة». وأضاف أن ميقاتي «أكد للأوروبيين أن سماحة سيحاكم من القضاء اللبناني». ورأى المصدر أن توقيف سماحة «كان مشجعاً من حيث إجراءات الدولة وإن كان ذلك سبب اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس شعبة المعلومات». وقال إن «عمل اللواء الحسن كان رادعاً لسورية وحزب الله وأظهر أنهما ليسا بالقوة البالغة التي يعتقدها الناس». ورأى المصدر أن «موقعَي الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط تعززا في الآونة الأخيرة، فالرئيس يركز على الحوار وزيارة الرئيس الفرنسي كانت لتشجيعه بعد اغتيال اللواء الحسن، ودول مجلس الأمن الخمس رغبت في إرسال ممثليها للتضامن مع الدولة وهو ضامنها. أما وليد جنبلاط فيملك خيوطاً لتماسك الحكومة. وقال المصدر إن «على 14 آذار أن تأتي باقتراحات أكثر توافقية ومقنعة ولا تركز فقط على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبعد ذلك بإمكان هذه القوى أن تتحدى ميقاتي كي يقبل هذه الاقتراحات لأنه لن يكون لديه أي خيار آخر إلا قبولها، وعندئذ يتم إيجاد قاعدة للتفاوض حول من يكون في الحكومة... هذه الطريقة الأفضل كي تستعيد 14 آذار المبادرة». وزاد أن «من المسيء جداً أن يكون هناك فراغ طويل بين استقالة حكومة وتأليف أخرى، وحتى حكومة تكنوقراط تستغرق أشهراً في لبنان للاتفاق عليها». ورأى المصدر «بعض الاختلاف في السياسة بين حزب الله وسورية، والدول الأوروبية كانت توقعت أن يكون لحزب الله دور أكبر مما هو الآن على الأرض في سورية إلى جانب النظام نظراً إلى الحلف بينهما»، متوقعاً أن «يتفاقم الاختلاف مع الوقت مع النظام السوري، خصوصاً أن تأثير سورية في لبنان انخفض... حزب الله يقرأ التحولات في سورية ويبني عليها سياسته». واعتبر أن «اللواء الحسن كان يمثل نوعاً من رادع أو ضابط لتحرك حزب الله، ومع اغتياله صار لديه هامش تحرك أكبر، لكن هذا لا يعني أن حزب الله اغتاله فليس هناك براهين حتى الآن حول من نفذ الاغتيال». وقال المصدر إن «الغرب سيكافح لمعرفة من قتل اللواء الحسن ومجموعة الFBI التي زارت لبنان رأت أن هناك تقارباً كبيراً بين عناصر اغتيال الرئيس رفيق الحريري واللواء الحسن». «14 آذار أخطأت» إلى ذلك، رأى مصدر ديبلوماسي فرنسي أن الجميع في البلد «ينبغي أن يتوافق حول حكومة فهنالك عناصر توافق في المجتمع اللبناني ينبغي أن تبنى عليها المشاورات بين الأطراف وصولاً إلى نقطة وسطية، وعندئذ سيكون أصعب للذين يعارضون تغيير الحكومة أن يدافعوا عن موقفهم إذا كان هناك توافق، فالأهم حماية البلد واستقراره والإعداد للانتخابات والعمل كي لا يخسر أحد ولا يربح أحد، وأفضل السبل لذلك ترك الفرصة للرئيس اللبناني ليعمل على قاعدة إعلان بعبدا وأن يقترب منه الجميع، ولا يمكن أن يستمر الوضع على هذا الشكل لمدة طويلة... هذه الطريقة الأفضل في رأي فرنسا وعلى الجميع أن يكون إيجابياً». وأكد المصدر أن «قوى 14 آذار تظهر أحياناً كأنها تريد تصفية حسابات شخصية مع نجيب ميقاتي، وهذا سلبي وباريس لن تتدخل فيه، ولكن إذا وضع برنامج مفصل لحكومة جديدة وما سيكون دورها وبرنامجها، ومسألة من يترأس الحكومة ليست مهمة الآن، وقوى 14 آذار أخطأت في جعلها أساسية وفي تجاهلها ضرورة تعزيز موقع سليمان. ينبغي على الجميع أن يركز على ما هي توقعات كل الأطراف من بعضها بعضاً على ألا تؤخذ القرارات داخل حكومة تكون معادية لأي طرف، مثل التعيينات والإعداد للانتخابات». وشدد المصدر الفرنسي على أن «الجميع يجب أن يعمل على أساس خطاب الرئيس سليمان عندما أكد أنه لا يمكن القبول بالإفلات من العقاب، ينبغي أن يكون ذلك أساس الاهتمام لأنه أساس المخاوف». وزاد أن «مبدأ النأي بالنفس لا معنى له إذا قال طرف معين إن من حقه أن يقاتل والآخر لا... هناك عناصر للتوافق في لبنان ولكن، ما ينقص كثيراً في كل الأوساط هو المنطق، والرئيس فرانسوا هولاند عرض استعداده للمساعدة؛ سيستقبل ميقاتي كرئيس حكومة من دون أي انحياز لأي جهة، وبإمكان فرنسا أن تستقبل الآخرين من الرئيس أمين جميل إلى النائب جنبلاط وغيرهما للمساعدة، وهي اعتبرت أن الرئيس سليمان تحرك بشجاعة بعد توقيف ميشال سماحة واغتيال الحسن، فقد أعلن موقفاً واضحاً مبتعداً عن سورية، بالنسبة لإيران وحزب الله والطائرة من دون الطيار التي أطلقت فوق إسرائيل (أيوب). إذاً، ينبغي تعزيز موقفه». وتابع المصدر: «لكن، ينبغي على الرئيس الآن التركيز على إيجاد توافق على الحكومة. الأوروبيون الآن يركزون على هذا الأمر، وسياسة فرنسا هي دعمه. والكارثة في الوضع أن الأطراف يعطل بعضها بعضاً وهذا سلبي جداً. والكل مدرك مدى الأخطار، من حلفاء سورية إلى أعدائها، الجميع يعرف هشاشة الوضع، والمطلوب أن يحموا أنفسهم جميعاً منها وأن يتفقوا حول حكومة حيادية وهي ما تطلبه 14 آذار، ولكن ينبغي إيجاد الطريقة للوصول إليها، وموقف فرنسا الواضح هو حضّ الجميع على عدم عرقلة مسعى سليمان لإيجاد صيغة توافقية توصل إلى حكومة». وقال المصدر الفرنسي إن «خطة فرنسا هي كما قال الرئيس هولاند التحاور مع قيادات لبنانية تأتي إلى فرنسا، لكن احتمال عقد اجتماع سان كلو آخر غير مطروح، باريس تؤيد أفضل صيغة يجدها الرئيس سليمان لحكومة تخرج البلد من الأزمة». «نمو ضعيف» على خط موازٍ، قال مصدر لبناني مالي ل «الحياة»، إن «نسبة النمو في لبنان ستكون 2 في المئة هذه السنة أي ما يعادل ناقص 1 في المئة في فرنسا وهذا ضعيف». وأضاف: «انطلاقاً من أيار (مايو) تراجع الاقتصاد اللبناني في شكل ملموس، والنمو 2 في المئة كان تحقق بين كانون الثاني (يناير) الماضي وأيار، لكن منذ ذلك الحين تراجع الاقتصاد لأن لبنان شهد أحداثاً في طرابلس وبيروت وتم خطف لبنانيين في سورية وبعد ذلك كان هناك قطع طرق، بالتزامن مع موسم الصيف وعيد الفطر. ثم جاء اغتيال الحسن قبيل عيد الأضحى، وخفت الحركة والعمل بسبب أحداث سورية التي جعلت دول الخليج تطلب من رعاياها عدم التوجه إلى لبنان وهم يشكلون 40 في المئة من الاستهلاك في السوق اللبنانية؛ السياحة والتجارة تأثرتا سلباً: هناك مطاعم تغلق، وفنادق تغلق طبقات لديها، وهناك فنادق فخمة لديها 35 في المئة من الزائرين وهذا منخفض، ولا حل لبنانياً بفعل الانقسم؛ وهذا ارتد على الحركة العقارية التي تراجع حجم عملياتها 20 في المئة وليس هناك حركة بناء مهمة لتشغل الاقتصاد. وفي وقت لم تنتهِ الأزمة السورية أراد المصرف المركزي إيجاد سبل لتأمين استمرار الاقتصاد وتهدئة الوضع بانتظار انتهاء الأزمة السورية، وتم الاتفاق مع المصارف المحلية على أن تكون لها مقاربة ذكية مع المدينين كي لا يضغطوا على الناس، والمصرف المركزي سيكون متفهماً. بكلام آخر، إذا كان صاحب مطعم مديوناً يدفع الفائدة ورأس المال يمدد أجل قرضه؛ والمصارف وافقت ولكن على أساس درس كل حالة كي لا تكون هناك محاولات غير مبررة». وتابع المصدر: «على رغم ذلك لبنان، أفضل من دول عربية غير نفطية طلبت مساعدات صندوق النقد الدولي. ولبنان لم يطلب أي مساعدة من الصندوق، والحفاظ على الاستقرار النقدي والثقة تُمَكِّن من تجاوز المرحلة». وعن زيادة الرواتب، قال المصدر: «إذا دفعتها الحكومة في هذا الجو، ستأخذ الأموال من السوق بفوائد عالية على أساس تزايد الأخطار في لبنان، فيما لبنان لديه دين 56 بليون دولار، وإذا ارتفعت الفائدة واحداً في المئة سيمثل ذلك 560 مليون دولار كخدمة للدين، لذلك هناك تريث في حسم الموضوع». وأكد المصدر أنه «تم تطمين الدول الكبرى إلى أن مصارف لبنان صارمة في تنفيذ العقوبات المالية الدولية على سورية وأنها ملتزمة القواعد الدولية». وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شرح للجانب الفرنسي، لدى زيارته باريس قبل 3 أسابيع، أن مصارف لبنانية تحملت أخطار إغلاق حسابات شخصيات سورية على لوائح العقوبات الدولية.