طالب الروائي عبد الله زايد بإنشاء جهة تهتم بالترويج للإبداع السعودي لدى الآخر، وأن تأخذ على عاتقها ترجمة المنجز الأدبي السعودي إلى مختلف اللغات الأجنبية. وانتقد زايد، الذي تلقى رواياته وكتبه الأخرى اهتماما ملحوظا، في حوار مع «الحياة» الشلل الأدبية، التي يرى أنها تندرج تحت مسمى النقاد. وقال إنه لا يوجد نقاد اليوم، إنما مجموعة من «المفلسين»، يتأثرون بجوانب شخصية أو دينية أو جوانب مجتمعية، إضافة إلى العادات والتقاليد، إلى نص الحوار: بعد روايتك «المنبوذ» التي حظيت باهتمام نقدي عربي لافت، وصدرت في طبعات عدة وترجمت إلى الإسبانية، وقدم لها الناقد والكاتب الصحافي الإسباني توماس نافارو، قائلاً: إنها تطرح المتناقضات التي يتكون منها المجتمع السعودي، القوي والغني بالمال والطاقة والتكنولوجيا، وفي مقابل ذلك، نجده مجتمعاً متحفظاً محتفظاً بعاداته السياسية - الدينية، يخشى الحرية التي يشعر بها وكأنها التحدي الأعظم له، بطرحها عولمة القرن ال21»، وأيضا بعد روايتك الأخرى «ليتني امرأة»، ماذا لديك من مشاريع جديدة؟ - أضع اللمسات على رواية جديدة، أتمنى أن تكون مختلفة عما سبق أن قدمته من أعمال، حاولت في هذا العمل المراهنة بشكل أكبر على القارئ فحسب، فيها بوح لهذا القارئ، حاولت أن يشعر بأنه هو المعني، وكأن بطل الرواية يحكي له همومه وآماله وتطلعاته ونكساته وحزنه.. حاولت أن يشعر كل قارئ بأنه شريك ومعني بهذه الرواية وكلماتها، وأنه جزء من بطلها. فهل أوفق؟ هل يحالفني النجاح؟ لا أعلم.. هذا الذي ستكشف عنه الأيام بعد نشرها في القريب... روايتاك لقيتا اهتماماً نقدياً، كما هو معروف، على الصعيد العربي، كما أنجزت عن «المنبوذ» رسالة ماجستير، كيف ترى هذا الاهتمام؟ حظيت رواية «المنبوذ» ورواية «ليتني امرأة»، بقراءات نقدية، كانت المنبوذ عنواناً لدراسات مطولة، ومن الجزائر كانت - رواية المنبوذ - عنواناً لرسالة ماجستير. هذا النقد من مختلف الأسماء النقدية العربية، استفدت منه، وبالفعل أضاف إلى تجربتي الكتابية الشيء الكثير، كثير من الكلمات النقدية المهنية توجهت نحو النص ولم تحاكمني، غاصت في أتون العمل نفسه، وتم وضع اليد على جوانب القصور والخلل، وهذا كان له معنى كبير لدي. في رأيك ما الموقع الذي تحتله الرواية السعودية اليوم في الإنتاج الإبداعي والفكري؟ - لا أعلم إذا كانت هناك مراتب يمكن من خلالها تصنيف المنتج الأدبي وفقها في بلد ما أو في أي مجتمع، لذا أعتقد أن محاولة وضع الرواية السعودية في درجة أو مستوى محدد هو تأطير أو تحديد لوظيفة هذا الصنف الأدبي، ولعل ما نشاهده من روايات تجاوزت مجتمعاتها ولم تعد تمثلها أو لم تعد تعكس جوانب الحياة فيها دليل في هذا السياق، لا أعلم إذا كانت كلماتي دقيقة، ولكن الذي أعلمه أنني أحب الرواية التي لا تنشغل بهمّ مجتمعي ذاتي، أحب تلك الأعمال التي لا تشغلني بوصف مكانها وبيئتها، لذا فإن ما يجذبني هي الرواية التي تخلق العوالم فيها بشكل عام، يمكن للجميع قراءتها ثم التساؤل أين وقعت أحداثها؟ أو ما هي جنسية مؤلفها؟ ولكنهم لا يجدون الإجابة. هل يمكن تصنيف الرواية السعودية في مستوى الرواية التاريخية التراثية العربية؟ - مرة أخرى، يسعدني هدم عمليات التصنيف والتحديد، دوماً أقول بأن الكتابة بعفوية ومن دون تخطيط من أهم وسائل الإبداع والتميز، ثم النتيجة أن يكون بين يدينا منجز جميل خلاق، بغض النظر تماماً عن شكله أو لونه، أعتقد أن المؤلف يجب أن ينشغل بالمنجز نفسه، وينشغل الآخرون بالقراءة وبتصنيفه إذا رغبوا، لكنني لا أتمنى أن يتورط المؤلف في هذا الجانب، بل أن يركز على منجزة فحسب. يعاب على الرواية السعودية الحيز الاجتماعي المحدود، ما هي الأسباب وكيف يمكن تخطي هذه الوضع؟ - تعتبر الرواية متنفس، ومجالها رحب للتعبير والتحرك بحرية ومن دون قيود، لذا من الطبيعي أن نجد ملامح من الهموم المجتمعية والثقافية وحتى الاقتصادية، البعض من النقاد لا يحبون أن تنشغل الرواية بجوانب حياتية وبتفصيل، بل يؤكدون أنه يجب على المؤلف التركيز على الحدث والشخوص وشرحها ووصفها في سعيه لخلق عالم روايته، وهم يعيبون على المؤلفين الذين يقفزون ويتجاوزون للحديث عن الهموم الحياتية بشكل مباشر، بل يصنفون مثل هذا التوجه بأنها مزج بين الكتابة المقالية (الرأي) وبين فن عريق مثل الرواية، بالنسبة لي ومنذ زمن أقول ليذهبوا للجحيم، لأنني أتطلع للقارئ فحسب، وهو الرهان الذي اكتشفت مع الأيام أنه هو الأصدق والأقرب من شلة أدبية تطلق على نفسها مسمى نقاد. تحول المجتمع السعودي من المجتمع القبلي إلى المجتمع المدني، كيف أسهم في زيادة الإنتاج الأدبي السعودي؟ - يمكن كشعار القول إنه حدث تحول نحو المجتمع المدني، لكنني أعتقد أننا ما زلنا بعيدين عن قيم المجتمعات المدنية، من سيغضبه مثل هذه الكلمات سيسرد على آذاننا معزوفة باتت لا قيمة لنغماتها على أرض الواقع، معزوفة مشروخة تتعلق بالمؤسسات والحراك المجتمعي والفعالية الحقوقية وغيرها من الموشحات، التي لا تغني ولا تسمن، ولكن على أرض الواقع جميعنا يعلم أننا بطريقة أو أخرى نصنع كذبة ونحب أن نصدقها، الغريب أن معظمنا - خصوصاً النخب الثقافية العلمية - غير مهتمة أو غير متحمسة بأن تكون فاعلة في نشر قيم المجتمع المدني، لذا لا تستغرب أن تجد أحد الرموز تستدعي القبيلة وتنتصر لها أمام كيان الوطن ككل، كذلك لا تستغرب أن تسأل في كل محفل أو مناسبة من أين أنت؟ لأن الإجابة هي الخيط الأول الذي سيساعد الآخرين على تقبلك أو نبذك. لا أريد أن نكذب على أنفسنا وندعي أموراً ندرك جميعاً أننا أبعد ما نكون عنها، مع الأسف قيم القبيلة أعظم في وجداننا من قيم الوطن العظيم. من أهم المؤشرات لانتصار القبيلة على الوطن تجدها ماثلة في اسم القبيلة في نهاية أسماء كثيرين، وفي هذا دلالة كافية لتعظيم هذه القبيلة التي يتم توارث اسمها من الأجداد إلى الآباء ثم الأبناء، لذا أخشى أن الاسم هنا ما هو إلا هوية وعضد وقوة يحتمي بها هذا الفرد، ويجد بواسطته أنه الوطن الحقيقي له، لذا فإنني لا أجد أن هناك طفرة أو زيادة في المنتج الروائي السعودي، لا كماً ولا إبداعاً. كيف ترى مستقبل الرواية والنقد في المملكة؟ - مستقبل واعد وجميل للرواية، أما النقد فهو في عالم آخر تماماً، وبعيد تماماً، وإذا قدر ووجدنا قراءات نقدية - لا أقول دراسات عميقة لأننا بعيدين عنها - مع الأسف تجدها متأثرة بجوانب شخصية أو جوانب دينية أو جوانب مجتمعية، ملتصقة بها العادات والتقاليد، ويغلب على مثل هذه القراءات سوء الظن والدخول في النيات وتأويلات ومقاصد المؤلف، فضلاً عن طريقة نقدية مبتكرة وجديدة تختص بنقادنا الأشاوس، وهي قذف المنجز الأدبي، ثم القول: كلام فاضي، لذا أقول لكل مؤلفة ومؤلف، اكتب ثم أكتب، ولا تهتم ولا تلتفت إلا إلى القراء، حاول أن تلتمس كلماتهم وآرائهم، فعفوية القارئ وهو يتحدث عن منجزك أعظم لك وأكثر فائدة من تنظير مفلس يسمى نفسه ناقد يقسو عليك فقط لأنك لست من الشلة. ما رأيك بالتصنيف للرواية على أنها رواية نسائية ورجالية وشبابية؟ وهل المرأة قادرة على تمثيل الجو الروائي وإعادة تشكيله من جديد وإعادته للمتلقين؟ - لست مع مثل هذه التصنيفات بطبيعة الحال، وأعتقد أن المرأة تجاوزت هل قادرة أم لا؟ بل أبدعت وتميزت وحلقت بعيدا أيضاً، وأمامها المزيد والمزيد. كيف ترى ترجمة الروايات السعودية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، وفي رأيك لماذا البعض يعتبر أنه ما إن يترجم إلى لغة أجنبية حتى يصبح عالميا؟ - يؤلمني أن هذا الجانب لم يتم حتى الآن تبنيه من مؤسسة حكومية. كم أتمنى إنشاء هيئة تهتم بالترويج للإبداع السعودي لدى الآخر، وأن تأخذ على عاتقها ترجمة المنجز الأدبي السعودي بمختلف اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية واليابانية والصينية والروسية وغيرها. وأن توضع آليات دقيقة لاختيار الأعمال التي سيتم ترجمتها ونشرها وفق معايير مهنية، وليس وفق ما يروج لها إعلاميا. نحن اليوم في أمس الحاجة للوصول بإنتاجنا الفكري إلى العالم بأسره، حتى في الجوانب الفنية كالفن التشكيلي، نحن مقصرين تماماً في التواصل مع أمم الأرض، الذي يحدث اليوم جهود فردية وشحيحة ومتواضعة لا ترقى لأسم بلادنا ولا ترقى لقيمة ما يتم تقديمه من منجزات. تواجه بلادنا الحبيبة هجمة شرسة وأوصاف مقيتة بأننا مصدرين للإرهاب، ومع الأسف كثيرون في العالم يجهلون تقدمنا وإنتاجنا الفكري والعلمي والإنساني. بالنسبة للعالمية لا تقاس وفق ترجمة هذا العمل أو ذاك، خاصة ونحن نعلم جميعاً ما يتلبس هذا النهج من ضبابية، أعتقد أن المقاييس العالمية مختلفة تماماً هنا، والمميز أن هناك أموراً لا يمكن أن توهب، أو أن يتم منحها لمؤلفين دون آخرين، في عالم التأليف تبقى بعض الجوانب عصية على الانتقائيين، إذ لا تذهب إلا لمن يستحقها فعلاً، وهذا شيء يدعوا إلى السعادة. محبوك وأصدقائك ربما يتحمسون ويصنفونك بأنك مؤلف عالمي، لكنك في الحقيقة لا تتجاوزهم. وآخرين يعيشون فرحة الاحتفاء الخارجي، وتجد صداقاتهم خارج وطنهم أكبر وأكثر، ويواصل مشروعه الذي يوصف بأنه متهالك ومتواضع. وعموماً الجميع يواصل العمل (التأليف)، والمبهج أنه لن يتقدم ويصل إلا من هو أكثر تميزاً. بمعنى أنك تجد صحفاً تكتب عن عمل وتجد نقاداً يكيلون له المديح، لكنه يختفي بعد فترة من الزمن، وتلاحظ أعمالاً منزوية عن الضوء لكنها متداولة بين أيدي القراء، وتجد لها حضوراً على رغم مرور أعوام على صدورها، تجد روائياًً يملأ العين والسمع كما يقال، ولا تصل إلى «إيميله» رسالة واحدة من أي من القراء، وروائياً آخر مغموراً تصله رسائل كل فترة من مختلف أرجاء العالم العربي. فأي واحد منهما الناجح؟ وأي منهما الذي يسير في الطريق الصحيح؟، وعموماً الذي أقصده وأريد الوصول إليه أنه قبل العالمية على الروائي أن يعرف هل منجزة وجد قبولاً وانتشاراً، وأن لا يتألم من تجاهل النخب والإعلام له.