«تمكنت من حل مشكلة المشكلات وأزمة الأزمات وأم المحن»... الحصول على شقة في الجزائر أصبح شبه مستحيل في ظل تزايد عدد طالبي السكن وارتفاع أسعار العقارات والشقق الجاهزة. «نريد شقة» هو الشعار الذي رفعه الغاضبون في احتجاجاتهم خلال السنتين الأخيرتين في كبرى المدن الجزائرية، حيث خرج مواطنون للتظاهر من أجل الحصول على سكن بعد صبر ومعاناة استمرا سنوات. تُختزل أزمة السكن في حكاية الحي القديم ب «ديار الشمس» في منطقة «المدنية» أعالي العاصمة الجزائرية، وهو الذي يعد من بين الأحياء السكنية التي تحمل بين جدرانها المتهرئة قصصاً وحكايات لمواطنين أودعوا ملفات طلب شقة جديدة منذ أكثر من أربعين سنة، ولكن «لا حياة لمن تنادي». في عمارات حي «ديار المحصول» الذي أنشئ قبل خمس وأربعين سنة، حلم الزواج مستحيل للمئات من الشباب الذين ضاقت بهم غرف بائسة، خصوصاً أن السكان هناك تجرعوا مرارة «ضيق المكان»، فغرفة واحدة لعشرة أشخاص، والنوم بالتناوب... ما يجسّد ظروفاً اجتماعية رديئة يعيشها سكان هذه المنطقة التي كانت قطعة جميلة من قلب العاصمة الجزائرية، قبل أن تصير عبارة عن «محتشدات» ضاقت بأهلها منذ استقلال البلاد في 1962. اختناق الأحياء السكنية في العديد من الأحياء في الجزائر، يجعل الشباب يعزفون عن الزواج، مثل حالة السعيد تهامي الذي يقطن في ديار المحصول، والذي يقول ل «الحياة» إن أجره كموظف في شركة الكهرباء والغاز لا يمكنه من تحمّل إيجار شقة تكلفه سنويا 200 دولار أميركي. كثيرون هم من طرقوا الأبواب سعياً للحصول على سكن وتفريج همهم. سمير قاسي (37 سنة) يعيش في مسكن مع عائلته لكنه لا يتسع له ولإخوته السبعة، إلا أن مساعيه للانتقال إلى مكان أفضل باءت كلها بالفشل، فيما أصبحت وعود السلطات المعنية بالإسكان عبارة عن ذر للرماد في الأعين، كما يقول. آخرون اختاروا أنصاف الحلول، كما فعل جمال الدين الهامل، المتزوج ولديه أربعة أولاد، فبناء بيت من الصفيح والطوب هو الحل الموقت في أحد أحياء منطقة «السمار» غرب العاصمة، لكن الموقت صار حالة دائمة، بعد أن تقدم بطلبات سكن عدة على مستوى العديد من البلديات، إلا أنه لم يتلق رداً إيجابياً. ويقول خليل بوعلي إنه لجأ إلى قرض مالي من صندوق التوفير والاحتياط الحكومي، وهو الصندوق الذي يمكّن الشباب من الحصول على قروض لشراء مساكن أو استئجارها في صيغة عنوانها «وعد بالبيع»، أي أن المعني يتفاهم مع بائع لشقة ويدفع له نسبة معينة فيما يوفر الصندوق المبلغ المتبقي، وهو ما نسبته 40 في المئة من ثمن الشقة، ويكون المقترض مطالَباً بتسديد القرض على مدى 30 سنة. والحال أن هذه الحالة مشابهة لحالات الآلاف من الجزائريين ممن ضاقت بهم جدران البيوت ولجأوا إلى أسطح العمارات، وقد تجاوز كثر منهم سن الزواج، علماً أن هناك من دخل مغامرة الزواج من دون الحصول على سكن أو شقة، بل جرب العيش مع الأسرة الكبيرة، لكن الحياة لم تستمر، بسبب المشاكل اليومية التي يعرفها الزوجان، وهي حالات كثيرة غالباً ما انتهت بين أروقة المحاكم. وتكشف تقارير وزارة المرأة والأسرة في الجزائر وجود أربعة آلاف حالة طلاق سنوياً بسبب أزمة السكن. والمؤكد أن السكن صار من أسباب العزوبية في الجزائر، فقد كشفت إحصاءات حديثة صادرة عن الديوان الجزائري للإحصاءات أن تسعة ملايين جزائري من الجنسين عازبون. وأظهرت التحقيقات التي أجراها المركز الجزائري للأبحاث الاجتماعية، أن الكثير من الشباب الجزائري اختار العزوبية مضطراً بسبب ارتفاع تكاليف إيجار الشقق وأزمة السكن وضعف الراتب الشهري، فضلاً عن غلاء المعيشة والمهور. ولعل ما يعبّر عن عمق الأزمة أن المثل الشائع لدى جميع الجزائريين عند حصولهم على شقة وانتهاء الكابوس قولهم إنهم حصلوا على «قبر الدنيا» في انتظار «قبر الآخرة»...