تابعت أوساط سياسية وإعلامية ما بدا أنه أبرز خلاف علني، تخلّله انتقاد واضح وصريح، بين أقوى رجلين سياسيين في تركيا، هما رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والرئيس عبدالله غل، اللذان كانا حافظا دوماً على تفاهم سياسي قوي أمام الشارع والإعلام. ورفض غل رسالة تحذير مبطنة وجهها إليه اردوغان، رفيق دربه، بسبب تضارب آرائهما حول التعامل مع المتظاهرين العلمانيين والأتاتوركيين الذين أحيوا «عيد الجمهورية» الثلثاء الماضي، على رغم حظر الحكومة. وكان حدث سجال حول الجهة التي تدخلت وأمرت الشرطة وأجهزة الأمن بالانسحاب، بعد اشتباكات محدودة مع المتظاهرين الذين أكملوا مسيرتهم إلى ضريح أتاتورك، على رغم تعليمات رسمية من وزارة الداخلية بمنعهم من ذلك. وقال أحمد سيفار، مستشار غل، إن الأخيرة كان طلب من والي أنقرة التعامل برفق مع المتظاهرين، والامتناع عن تصعيد الوضع، معتبراً أن تلك التوجيهات نزعت فتيل أزمة على الأرض. لكن أردوغان رجّح ألا يكون غل من أمر بذلك، مذكراً بأن «صلاحيات الرئيس معروفة وصلاحيات رئيس الوزراء معروفة، وأعتقد بأن الرئيس لا يتدخل في هذا الأمر، لأن البلد لا تدار برأسين، وإذا كان هناك من يريد تحويل تركيا إلى نظام رئاسي، فأنا أول من يساند ذلك، وحينها يستطيع الرئيس أن يتدخل، لكن قبل ذلك فإن صلاحيات كل مسؤول واضحة ومحددة». وأضاف اردوغان أنه اتصل بوالي أنقرة، ولامه على «تخاذله» في التعامل مع المتظاهرين وسحب الأمن من الشوارع. واعتُبر هذا التصريح رسالة تحذير من أردوغان لغل بالامتناع عن منازعته صلاحياته، وهذا تحذير مهم وإن كان مبطناً، إذ يُعتبر سابقة، ولأنه يأتي قبل أشهر من انتخابات الرئاسة، التي أشار غل وأردوغان في شكل غير مباشر، إلى رغبتهما في الترشح لها. ولم ينكر غل أنه تحدث مع والي أنقرة في هذا الصدد، لكنه رفض اعتبار ذلك نزاعاً على صلاحيات أو تدخلاً في شؤون الحكومة، إذ رأى أن من واجب الرئيس أن يضمن احتفالات آمنة في عيد الجمهورية، وقال: «ليس هناك أبسط من أن أطلب من المسؤولين، بوصفي رئيساً، أن يُنظم الاحتفال بيوم الجمهورية في البلاد على نحو لائق». واختلف الرجلان سابقاً في شأن قضايا، بينها حرية التعبير، على رغم أن مسؤولين في أنقرة يؤكدون أن العلاقة بينهما قائمة على احترام متبادل عميق. لكن الخلافات العلنية بينهما تتفاقم، إذ انتقد غل اردوغان الشهر الماضي، بسبب سجن نواب في محاكمات تتصل بمزاعم عن «مؤامرات انقلابية». ورأى غل في افتتاح جلسات البرلمان، وجوب السماح للنواب في حالات مشابهة بممارسة مهماتهم، إلى أن تصدر أحكام نهائية في حقهم، لكن اردوغان قال آنذاك: «لا أريد أن أدخل في سجال مع الرئيس، وواضح أننا لا نتقاسم وجهة نظر واحدة». وكتب المعلّق الإسلامي أحمد هاكان، أن تصرّف الرجلين في سجالهما الأخير، «حيث بدا أردوغان أقوى وأكثر صراحة في توجيه رسالته، في مقابل سعي الرئيس إلى تلطيف الأجواء، يشير إلى أن أردوغان ستكون له اليد الطولى في أيّ خلاف مستقبلي، وأن غل، على رغم شعبيته، لن يستطيع مواجهة طموح رئيس الوزراء في دخول القصر الجمهوري، أو في أي وجهة نظر مخالفة».