ما إن وقع إعصار «ساندي» في الولاياتالمتحدة الأميركية حتى ظهرت عورات أفكار مجتمعنا تجاه الكارثة في مواقع التواصل الاجتماعي ما بين شامت، ومتشفٍ، وحاقد، ومتأمل، وملّغم بجراثيم الكراهية، وسوداوية البغض، يعترضون على الكارثة بكارثة فكرية تتغذى على كراهية الآخر وزواله، كأن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون ليكون مسرحاً لهم يسرحون ويمرحون فيه بالتدمير، والتحريض بأفكارهم المختلة المنافية للطبيعة الإنسانية، وحقيقة العلم، ونواميس الكون وقوانينه في حياة البشر. إن قلت إن الإعصار كارثة طبيعية فأنت كافر، وملحد، فالطبيعة، من وجهة نظرهم البائسة، مرجعها الكفر والإلحاد، وكل شيء ترده إلى الطبيعة معناه أن عقيدتك فاسدة، وملوثة بالشك والكفر، وإن قلت إن هذا غضب من الله أنزله على مستحقيه من الكفرة وغير المسلمين، فعقيدتك صحيحة وسليمة وخالية من كل شك وريبة، وإذا ما ختمت هذا بالدعاء على هؤلاء وتشفيت فيهم، وزدت على ذلك بالمزيد من الهلاك ومسحهم من خريطة الكرة الأرضية فأنت نعم المؤمن المخلص لدينه، متناسين أن هذه الكوارث ما هي إلا ظواهر طبيعة كالزلازل، والبراكين والسيول، والعواصف، وغيرها من مظاهر الكون، التي وضحها الله لخلقه، ومنها حفّز العقل على العلم للتعاطي مع هذه المظاهر، فنتج منها علم الفلك ورصد تحركات النجوم، والرياح، ومراقبة الأماكن التي قشرتها معرضة للزلازل، وأمر الخلق بالابتكار، والاختراع للوقاية من هذه الكوارث، وفي حين نجح الآخر في إتباع هذه السنن واستعدادهم لها بالعلم رصداً، وتحديداً، واستعداداً، في الوقت الذي فشلنا فيه فشلاً ذريعاً، بل ومحاربة لكل علم طبيعي، يقي المجتمع من تقلبات الكون، ومفاجآته المعروفة لكل ذي عقل تعامل بالعلم، وآمن بقدرة الله التي أخبر عنها، وحرّض الإنسان على كيفية التعامل معها بأدوات العلم، والابتكار في مواجهتها. قبل سنوات ضرب الإعصار سلطنة عُمان الشقيقة، وهي دولة خليجية مسلمة، فهل كان هذا الإعصار عقوبة من الله وانتقاماً؟ لماذا لا ينشغل هؤلاء الدعاة، والوعاظ، وقطيعهم الجاهل والساذج من ذوي العقول التي حرمت نفسها من نعمة التفكير، الذي هو سمة الإنسان المؤمن، وانطلقت خلف من يستغفلها، ويستبلهها لكي تردد «آمين» على كل دعوة يدعوها على الأمم الأخرى، أو تصديق كل مقولة يطلقها على المخالفين له في الفكر، أو تهمة يلصق بها من يبغض، لماذا لا ينشغلوا بعوارات فكرهم الظلامي ويكفوا شرهم عن خلق الله الذين هم خصماهم عند الله، سواء كانوا كافرين أو مؤمنين؟ لا نذهب بعيداً فقد شمتوا في أهل جدة عندما حلت بهم كارثتا السيول، وهم مؤمنون موحدون، وأقدس مساجد الله بين ظهرانيهم، فلا نستغرب إذاً ثقافة فكر الكراهية هذه التي أفرزتها جماعات الغلو والتطرف، حتى تحول المجتمع إلى قنبلة موقوتة معبأة بأدوات البغضاء دعاءً، وعنصرية، وحقداً ظاهراً يحتاج لمن يتصدى له بالقوانين الصارمة من أعلى مؤسسات الدولة في تجريم الأديان وحقوق الإنسان، وكفّ الأفواه العفنة بالكره والشتم، وإيقافها عند حدودها ومنعها عن التطاول على الآخرين. يعاني مجتمعنا من توابع مثلث خطر، متمثلاً في فكر عدواني لا نجهل رموزه، وأصحابه، والنافخون في نيرانه، وقطيع من الجهل، متمثلاً في أتباعه، ومعتقديه، ورفض للآخر، متمثلاً في عنصريته، وقبليته، يضاف إليها الفساد الإداري، وسوء التخطيط، والإفاقة الوقتية عند حدوث الكارثة، ومن ثم القرارات العشوائية، والخطط غير المدروسة التي تؤدي إلى كوارث أخرى، التراخي في تفعيل القوانين كان سبباً في كارثة «بقيق»، وانفجار الغاز في الرياض سببه الإهمال في البنية التحتية، فمتى نفيق؟ [email protected] @zainabghasib