منذ الانتفاضة الشعبية السورية ضد نظام الحكم القائم كثُر الحديث عن الطائفة العلوية وهيمنتها على الحكم في سوريه بعد الثامن من آذار (مارس) 1963، وبشكل خاص منذ انقلاب 16 تشرين الثاني(نوفمبر) 1970 وتولي الفريق حافظ الأسد رئاسة الجمهورية ومن بعده ابنه الدكتور بشار الأسد وما نراه من محاولة تجييش الطائفة للدفاع عن النظام القائم ومواجهة الانتفاضة باستخدام العنف وأسلحة الجيش المتطورة التي يفترض إنها استقدمت للدفاع عن سورية وشعبها وتحرير المغتصب من أراضي الوطن. اختلط الحديث عن هذه الطائفة بمعلومات ومفاهيم مختلفة واضعة إياها ضمن الأقليات الدينية في إطار تحاليل غير دقيقة في غالبيتها. وفي هذا الموضوع يمكن سرد حادثة تلقي ضوءاً تاريخياً مفيداً عن الطائفة، تمت بين مجموعة من مشايخ العلويين والرئيس جمال عبدالناصر في فترة رئاسته للجمهورية العربية المتحدة بإقليميها السوري والمصري. في عام 1959 نشرت مجلة الأزهر سلسلة مقالات بعنوان – المذاهب الخارجة عن الإسلام – وذكرت الطائفة العلوية – النصيرية - من بينها، الأمر الذي آثار غضب أبناء هذه الطائفة وحض مشايخهم على استنكار ما جاء في مجلة الأزهر، فتم تشكيل وفد ترأسه الشيخ عيد الخير أحد كبار المشايخ وهو من عشيرة الخياطين وكان يقيم في بلدة القرداحة ويتمتع بمكانة عالية علماً وقدراً، وقابل الرئيس عبدالناصر في نادي الضباط باللاذقية حيث كان يزورها وبصحبته جوزيف بروز تيتو رئيس يوغسلافيا حينذاك. عرض الوفد المشكلة التي أثارها مقال المجلة، مبيناً أن العلويين هم مسلمون على المذهب الجعفري وان الإمام جعفر هو أستاذ الإمام أبي حنيفة، والغريب وفق ما ذكر الوفد أن يعترف الأزهر بمذهب التلميذ ولا يعترف بمذهب أستاذه، وقد أعرب الرئيس عبدالناصر عن استغرابه من منطلق ان موقف الأزهر كما هو متفق عليه يركز على وحدة المسلمين وعلى لم الشمل والبعد عن كل أسباب الفرقة، ووعدهم بمعالجة الأمر. وبالفعل طلب عبدالناصر من المكتب الثاني السوري إعداد دراسة دقيقة ومفصلة عن الوضع الطائفي في سورية وبشكل خاص عن الطائفة العلوية. وبنتيجة الدراسة التي ساهم في إعدادها عدد من كبار الأساتذة المتخصصين والأكاديميين اتفق عبدالناصر مع الازهر، وكان شيخه هو الشيخ محمود شلتوت الذي عرف بعمق معرفته وسعة علمه وحرصه على وحدة المسلمين متمثلاً بالأزهر جامعاً ومشعاً، على افتتاح قسم خاص في الأزهر باسم المذهب الجعفري، وتخصيص منحة دراسية لأبناء الطوائف السورية للدراسة في الأزهر بالقاهرة مع امتيازات وتسهيلات كبيرة في إطار العمل على إزالة الفوارق وتمتين مفهوم الوحدة ضمن الاعتراف بالتعددية المذهبية، وهو ما فعله الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه «تاريخ المذاهب الإسلامية « حيث أعد قسماً خاصاً عن المذهب الجعفري. وبالفعل، التحق بالأزهر عدد كبير من الطلبة العلويين ومن باقي الطوائف السورية الإسلامية وبرز منهم بعد تخرجهم أسماء عرفت بدورها الايجابي في نبذ التفرقة الطائفية والحرص على الروح الإسلامية الحقَة. إلا أن هذه الخطة التوحيدية لم تكتمل بسبب انفصال الإقليم السوري ما أوقف هذا المشروع المهم، وأدخل سورية بعد الانفصال في إشكالات كبيرة لعبت فيها براثن الطائفية دوراً كبيراً في المحافظة على الانفصال وإعاقة أي عمل وحدوي عربي من منطلق مصالح ضيقة تضمن للطوائف مزاياها التي اكتسبتها في الواقع الانفصالي والخشية من زوالها في حال سيطرة الغالبية في ظل الوحدة لدرجة اغتيال أحد أبرز الأسماء العلوية التي تخرجت في الأزهر وهو الشيخ يوسف صارم الذي اغتيل في اللاذقية أوائل السبعينات من القرن الماضي، وهو ما يدعو إلى دراسة واسعة في موضوع مدنية دولة الوحدة وعلاقتها بالدين والحرص على احترام حرية معتقد المواطنين ومنع التنابذ. في العودة إلى أصول الطائفة العلوية في سورية والتي كانت تسمى بالنصيرية وتقيم في الجبال الساحلية – جبال السمان – التي هاجرت إليها في العصور الوسطى وسميت بجبال النصيرية، تعيد غالبية المراجع أن مؤسس المذهب هو محمد بن نصير المعاصر للإمام الحادي عشر للشيعة الإمام الحسن العسكري ومنه أخذت تسمية النصيرية، وهي تعترف بأنها تدين بالإسلام، وتعتمد القرآن الكريم كتاباً لها ضمن تفسير يشمل الظاهر والباطن، وان نبيها هو محمد (صلى الله عليه وسلم) وأن أئمتها هم الإمام علي والأئمة المعصومون من نسله، وقد عرفوا كما ذكرنا باسم النصيرية، والخصيبية نسبة إلى الحسين بن حمدان الخصيبي، واتخذوا اسم العلويين اسماً نهائياً لهم أيام الانتداب الفرنسي على سورية وفق وثائق الدولة العلوية التي أنشأتها فرنسا ورفضها الوطنيون السوريون بجميع طوائفهم. وقد حرصوا على هذا الاسم تخلصاً من الأسماء السابقة والتي أخذت تعني الدونية وفق المذهب الرسمي للدولة العثمانية. ويقوم المذهب إضافة إلى ما ذكرنا بالاعتقاد بتقمص الأرواح أو تناسخها وعدم الاعتراف للمرأة بالاطلاع على أسرار الدين، والإعفاء من الصيام في شهر رمضان ومن الصلاة أيضاً على أن يقوم الرجل المكلف بتزكية شيخ العشيرة مقابل قيامه بالفرائض عن أتباع عشيرته وتتم التزكية بدفع جزء من الدخل أو الموارد للشيخ. وقد بذل الرئيس الراحل حافظ الأسد محاولات كثيرة لتغيير بعض الأمور عند الطائفة وتحويلها إلى العلانية وبناء جوامع بدلاً من المزارات على القبور، وتقريب زعماء العشائر الدينيين ولا سيما أبناؤهم الذين تم تسليمهم مراكز ومسؤوليات تتيح لهم مزايا خاصة. وهناك في تركيا طائفة علوية أيضاً وهي غير الطائفة العلوية السورية حيث تعود إلى الفرقة الصوفية القزلباشية – الطاقات الحمر – والتي يقال أنها نشأت في القرن السادس عشر في أذربيجان، ويتم الخلط في كثير من الدراسات الحديثة بين الطائفتين حيث تعدهم طائفة واحدة خلافاً للواقع. الموضوع يدخل في أطار التراث الإسلامي، وفيه الكثير من الدراسات التاريخية، حيث يمكن العودة إلى ما كتبه الكثير من الدارسين المعاصرين أمثال د.عبد الرحمن بدوي في مذاهب الإسلاميين، والشيخ محمد أبو زهرة في تاريخ المذاهب الإسلامية و د. مسعود الوازني في تاريخ الفرق الإسلامية، وغيرهم إضافة بالطبع إلى الكتب التراثية الأقدم ولو أن غالبيتها اعتمد على النقل من مصدر واحد. * استاذ جامعي سوري