أفاد موقع «سي أن أن بالعربية» في تحليل حول السياسات الاقتصادية لمرشحي الرئاسة الأميركية الرئيس باراك أوباما وخصمه الجمهوري ميت رومني، أن خلافاتهما تشمل قوانين الضرائب والتأمين الصحي ومشاريع الإنعاش الاقتصادي وخلق الوظائف، ولكن تبدو قضية الاستقلال بالطاقة (بمعنى إلغاء الاعتماد على الواردات) واحدة من أبرز نقاط التقاطع بينهما ومن القضايا الأكثر تأثيراً على مستقبل العلاقات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. ويشكل موضوع «الاستقلال بالطاقة» نقطة تقاطع في برنامجي المرشحين الرئاسيين، غير أن الخلاف يدور حول سبل تحقيق ذلك، ويرى الحزب الجمهوري أن المطلوب هو دفع الولاياتالمتحدة إلى زيادة إنتاج الطاقة بوسائلها التقليدية والاستعانة بمناجم الفحم ومصادر النفط في كندا. أما الديمقراطيون، فيرون أن قضية الاستقلال بالطاقة يجب أن تتجه أبعد من مجرد استبدال مصادر الحصول على النفط والفحم الحجري لتصل إلى تطوير مصادر الطاقة البديلة والمتجددة التي تعتمد على الرياح والشمس والمياه، بما يسامح بحماية البيئة وخلق الوظائف. ولكن لقضية «الاستقلال بالطاقة» أبعاداً تتجاوز القضايا الاقتصادية، إذ إنها تنطوي ضمنياً على خيارات سياسية على صلة بالعلاقات التي تربط أميركا بدول الشرق الأوسط المنتجة للنفط وطبيعة مقاربة واشنطن السياسية للعلاقات الإقليمية، فمع تراجع الاهتمام بموارد الطاقة العربية، يخشى البعض تراجع النفوذ الأميركي في الملفات الراهنة. وظهر الجدل حول «الاستقلال بالطاقة» بوضوح خلال المناظرة الثانية بين أوباما ورومني، وقال الرئيس الأميركي لدى سؤاله عن هذه القضية: «الامر الأهم هو السيطرة على موارد الطاقة لدينا، ومنذ توليت مهمتي حافظنا على أعلى مستوى من إنتاج النفط والغاز والفحم منذ عقود، وليس هذا فحسب، بل ضاعفنا إنتاج الطاقة المتجددة وألزمنا السيارات بأن تصبح أكثر اقتصادية، عبر الحد من مستويات استهلاك الطاقة، ولذلك تراجع استيرادنا للطاقة إلى أقل مستوى له منذ 16 سنة». أما رومني، فكان أكثر وضوحاً على صعيد تحديد الانعكاسات السياسية لخياراته بمجال الطاقة، إذ قال إن الولاياتالمتحدة يمكنها أن تستخدم التقنيات الحديثة للحصول على كل الطاقة التي تحتاجها من مصادر في أميركا الشمالية، وذلك «من دون الاضطرار للذهاب إلى العرب أو فنزويلا أو أي جهة أخرى». وسبق لرنا فارهار، المتخصصة بشؤون الاقتصاد في مجلة «تايم» الشقيقة ل «سي أن أن»، أن أشارت إلى أن انكفاء الولاياتالمتحدة عن الاستعانة بنفط المنطقة قد ينعكس على شكل «فراغ قوة» قد تستفيد منه دول أخرى، وفي مقدمها الصين، التي تتطلع إلى دول الخليج وإيران بشهية مفتوحة على النفط. ورأت فارهار أن واشنطن تنظر إلى بكين بعين الريبة، على رغم أن اقتصاد الصين مازال ثالث أكبر اقتصاد عالمي، بينما تحتل الولاياتالمتحدة المركز الأول، كما أن متوسط دخل الفرد في الصين لا يتجاوز عشرة في المئة من نظيره الأميركي. كما أشارت إلى أن التقرير الأخير لشركة «بي بي» النفطية توقع أنه بحلول عام 2030، ستكون أميركا قد حققت استقلالاً شبه كامل في مجال الطاقة بعد توسيع قدرات الإنتاج المحلية من النفط والغاز وزيادة الاستيراد من كندا، ما يضعف من أهمية نفط منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليها. ونقلت فارهار عن دانيال يارغن، المحلل المعروف في مجال سوق الطاقة، قوله إن النصف الغربي من العالم «لن يعود لاستيراد النفط من النصف الشرقي بحلول عام 2030». ولكن تقرير «بي بي» يشير إلى أنه بحلول ذلك، ستكون الصين قد باتت دولة تعتمد بشكل شبه كامل على النفط المستورد من المنطقة، وستستورد 80 في المئة من حاجاتها من الطاقة، بينما تستورد الهند 90 في المئة من حاجاتها. وخلصت فارهار إلى القول إن هذا التبدل في وجهة تصدير النفط من الشرق الأوسط، ستترتب عليه تغييرات سياسية في المنطقة، إذ إن الصين مثلاً غير مهتمة بإسرائيل التي ترتبط بعلاقات تحالف قوية مع الولاياتالمتحدة، وإنما ينصب اهتمامها على كيفية توفير الطاقة الرخيصة. كما أن بكين لا تهتم كثيراً بالطبيعة السياسية للأنظمة الحاكمة في الدول التي تستورد منها النفط، بل يقتصر اهتمامها على قدرة تلك الأنظمة على توفير الطاقة لها، ما يبرر استمرار علاقتها مع إيران. ورأت المحللة الاقتصادية أن هذه المعطيات قد تنعكس على واقع الصراع الطائفي في المنطقة، وكذلك على نظرة الأنظمة الموجودة أو التي قد تظهر مستقبلاً في دول مثل سورية، للعلاقات الدولية والروابط مع إيران.