رغم خطابه الرجعي وأساليبه المتخلّفة في فرض قوانينه على المناطق التي يهيمن عليها، يعتمد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» أو ما بات يسمّى تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد إعلان «الخلافة الإسلامية»، آخر ابتكارات الإعلام الجديد والتقنيات الحديثة كسلاح أساسي يوازي الأسلحة والعتاد الحربي، ويوسّع حضوره في الإعلام الافتراضي ويطوّره كأي شركة كبرى أو حزب سياسي يدير حملة علاقات عامة كعنصر أساسي في مساعيه لتوسيع نفوذه وحشد المؤيدين. وصحيح أن لجوء الجماعات الجهادية إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليس أمراً جديداً، خصوصاً في سورية حيث المعركة الإعلامية توازي بضراوتها المعركة على الأرض، إلاّ أن السيطرة على الموصل شكّلت منعطفاً جديداً في حضور «داعش» الافتراضي. فقد واكبت تقدّم التنظيم نحو المدينة، تغطية غير مسبوقة على تويتر بلغت أوجها مع دخول عناصر التنظيم إلى الموصل حيث نُشرت 40 ألف تغريدة في يوم واحد عن المعركة. وانتشرت هذه التغريدات عبر تطبيق «فجر البشائر» الذي أطلقه «داعش» لموقع تويتر والذي يمكن تحميله على جهاز أندرويد أو على الكومبيوتر وينشر على حساب مستخدميه تغريدات وهاشتاغات وروابط وصوراً يختارها مبتكرو التطبيق وهم أشخاص ينتمون إلى ما يمكن وصفه الذراع الإعلامي ل»داعش». وبعد يوم من دخول التنظيم إلى الموصل، أرسلت حسابات مئات من مستخدمي التطبيق آلاف التغريدات التي تتضمن صورة لمسلّح ينظر صوب علم «داعش» يرفرف فوق العاصمة العراقية مع عبارة «قادمون يا بغداد». وكانت الحملة مكثفة إلى درجة أنه في ذلك اليوم كان أي بحث عن كلمة بغداد على تويتر يفضي إلى هذه الصورة كإحدى النتائج الأولى للبحث. وعلى عكس سورية حيث يوجد عدد كبير من المجموعات التي تغنّي كلّ على ليلاها، يستفيد «داعش» في العراق من غياب المنافسين، محققاً انتصاراً سهلاً في الحرب الإعلامية هناك يساعده في ذلك النفور العام من الحكومة العراقية ومن سياساتها. ترهيب وتجنيد وسّع التنظيم المتطرّف حضوره في الإعلام الافتراضي وطوّره إلى درجة بات يصعب حصر حضوره تمهيداً لمحاربته. فإلى جانب الحسابات الرسمية للتنظيم على منصات التواصل الاجتماعي والتي تخصص لنشر بياناته ومواقفه وإعلان المسؤولية عن الهجمات التي ينفذها، ينشرون مئات المقاتلين والمناصرين شتى أنواع المواد التي تصب في خانة البروباغندا التي تساعد في تجنيد الأنصار من جهة وترهيب الأعداء من جهة أخرى وهذان هما الهدفان الأساسيان للجوء «داعش» بهذا الشكل إلى الإعلام الافتراضي. وينجح «داعش» بالفعل في ترهيب معارضيه، من خلال نشر صور وفيديوهات للمجازر التي يرتكبها كانت أكثرها فظاعة صور تصفية عشرات الأشخاص الذين قال إنهم جنود عراقيون في 17 حزيران (يونيو) الماضي بالإضافة إلى فيديوهات قطع الرؤوس آخرها قطع رأس الصحافي جيمس فولي فضلاً عن الهجمات التي يرتكبها عناصر التنظيم أو بيانات التهديد والوعيد كما هي حال صورة المقاتل على أبواب بغداد والتي رافقتها بيانات تحذر من أن مقاتلي «داعش» بلغوا أسوار العاصمة العراقية استعداداً لمعركة السيطرة عليها علماً أن التنظيم ليس لديه القدرة بعد على خوض هذه المعركة، خصوصاً بعد الضربات الجوية الأميركية التي تدّعي إدارة أوباما أنها خففت زخم تقدم «داعش». الهدف الثاني للجوء التنظيم إلى الإعلام الاجتماعي هو تجنيد المناصرين. ويقول أحد المنشقين عن «داعش» لشبكة «سي أن أن» إنه كان يجنّد الغربيين من خلال رسائل مباشرة على تويتر، وإنه حين انتقل القتال إلى العراق، توسّعت هذه الاستراتيجيا إلى الفيديوهات التي يتم إخراجها بطريقة احترافية. وتتميّز هذه الفيديوهات بجودة عالية مقارنة بالكليبات المغبشة والمرتجفة التي كان ينشرها تنظيم «القاعدة» ومجموعات إرهابية أخرى في السابق. رغم أنه أصبح من الواضح أن الحرب الإعلامية أساسية في معركة التنظيم ووجوده بشكل عام كممثل أساسي للفكر المتطرف يتجاوز فيه التنظيم الأم أي «القاعدة»، ورغم تحذير المراقبين من نمو الإعلام الاجتماعي كأدوات لتجنيد الإرهابيين، إلاّ أنه لا يوجد مسعى عالمي جدّي وموحّد لمحاربة «داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي. فرغم أن استخدام الجماعات المتشددة لتويتر مثلاً يعود إلى كانون الأول (ديسمبر) 2011 وكانت حركة الشباب الصومالية هي السبّاقة إليه واستعملته بكثافة خلال الهجوم على متجر ويستغايت في كينيا العام الماضي، إلاّ أن الموقع العالمي لم يبدأ في حجب حسابات هذه الجماعات إلاّ هذا العام حيث أغلق العديد من الحسابات التابعة ل»داعش» في حزيران (يونيو) الماضي ولكن هذا لم يؤثر كثيراً على نشاط التنظيم على الموقع وتغطية الهجوم على الموصل خير دليل على ذلك. ومقابل غياب جهود جدّية لمحاربة حضور «داعش» افتراضياً، يستفيد التنظيم من تغطية غير مسبوقة يحظى بها في وسائل الإعلام التقليدية حيث تتسابق هذه الوسائل على إعادة نشر فيديوهاته وتناقل أخباره لزيادة عدد متابعيها إذ إن نظرة بسيطة على عدد المشاهدات في أي موقع إخباري تظهر أن أخبار التنظيم هي الأكثر مشاهدة وقراءة ومشاركة. فيمكن القول إن وسائل الإعلام التقليدية تساهم بشكل أو بآخر في توسيع شهرة التنظيم وتعظيم صورته كحركة مرعبة تسعى لغزو العالم وفرض قوانينها الظلامية على الشعوب. وحتى كتابة هذه السطور تجاوز عدد القصص التي نشرت على الإنترنت متضمنة كلمة «داعش» بالإنكليزية 30 مليون وبالعربية 50 مليون، كما أن الوكالات الإعلامية أًصبحت تسمّي التنظيم: «الدولة الإسلامية» إمعانا في الاعتراف به كحركة تهدد فعلاً بتحويل العالم إلى دولة إسلامية.