يُطلق مصطلح «السوق الكفوءة» عندما تعكس الأسعار السائدة للأسهم في سوق ما، كل المعلومات المالية والاقتصادية والاستثمارية، المتعلقة سواء بالاقتصاد الكلي أم بالقطاعات الاقتصادية والإنتاجية المختلفة، إضافة إلى توافر كل المعلومات المتعلقة بأوضاع الشركات المدرجة في أي وقت من الأوقات. ويُفترض أيضاً توافر المعلومات لجميع المتعاملين في السوق في الوقت ذاته، وهو ما يُطلق عليه مصطلح «العدالة في البيئة الاستثمارية» ويؤدي إلى تحرك أسعار أسهم الشركات المدرجة، سواء بالصعود أو الهبوط، بناءً على آراء آلاف الأفراد والمؤسسات في السوق وتوقعاتهم. ويساهم هذا طبعاً في توزيع الموارد في صورة صحيحة، إضافة إلى أن السرعة في اتخاذ القرار الاستثماري بالبيع أو الشراء تعطي فرصة لبعض المستثمرين لتحقيق أرباح من السوق أعلى من المعدل العام للمؤشر، لكن ذلك يتطلب دقة في تحليل المعلومات المتوافرة. ويعود ضعف كفاءة أسواق المنطقة إلى عوامل كثيرة، أولها انخفاض مستوى الوعي الاستثماري الكافي لدى نسبة كبيرة من المستثمرين في هذه الأسواق، خصوصاً المستثمرين المبتدئين، ما يؤدي إلى اعتمادهم على الاشاعات أو الأصدقاء أو «المحللين» غير المختصين في اتخاذ القرارات الاستثمارية، سواء بالبيع أو الشراء. ويبرز ثانياً ضعف الإفصاح وغياب الشفافية الكاملة، وعدم توافر المعلومات في شكل مستمر، وضعف الإفصاح النوعي من قبل الشركات عن بياناتها المالية، وعدم التكافؤ في الحصول على المعلومات بالنسبة إلى جميع المتعاملين إذ تُعطى الأولوية في الحصول على المعلومات المهمة لأعضاء مجالس الإدارات والمديرين التنفيذيين في كثير من الشركات المدرجة في أسواق المنطقة. يُضاف إلى ذلك غياب الكوادر المختصة من المحللين الماليين لتحليل المعلومات والبيانات المالية المنشورة بما يساعد المستثمرين في اختيار أسهم الشركات الجيدة والابتعاد عن أسهم الشركات الضعيفة أو المتعثرة. وثمة ثالثاً ضعف ينتاب الصحافة المالية في معظم دول المنطقة، وهي صحافة تؤدي دوراً مهماً في توعية المستثمرين وترشيد قراراتهم الاستثمارية، كما هي الحال في البلدان التي تضم أسواقاً مالية متقدمة. وتعاني أسواق المنطقة رابعاً ضعفاً في الاستثمار المؤسسي الذي يلعب دوراً مهماً في استقرار هذه الأسواق وحمايتها من التقلبات وتقليص الأخطار التي تحيط بالاستثمارات. وتبرز في المقابل، سيطرة لسيولة الاستثمار الفردي، وهي «سيولة ساخنة» في معظمها، أي أنها تدخل إلى الأسواق وتخرج منها في سرعة، ما يؤدي إلى ارتفاع متواصل في تقلبات مؤشرات هذه الأسواق ويزيد أخطارها. وثمة خامساً محدودية في الأدوات الاستثمارية في أسواق المنطقة بما لا يكفي لتلبية رغبات كل شرائح المستثمرين ومتطلباتهم، خصوصاً منهم أولئك الذين لا يرغبون في تحمل أخطار عالية، وهذه المحدودية من أبرز أسباب انخفاض سيولة الأسواق. ويُلاحظ بالتالي في أيامنا هذه تحول عدد كبير من أصحاب المدخرات إلى المصارف للاحتفاظ بأموالهم في ودائع لعدم توافر أدوات استثمارية قليلة الأخطار، خصوصاً السندات. * مستشار الأسواق المالية في «بنك أبو ظبي الوطني»