ثمة أهداف عديدة تسعى الشركات المساهمة العامة إلى تحقيقها من خلال إدراج أسهمها في أسواق المال، تأتي في مقدمها سهولة بيع أسهمها وشرائها، وبالتالي ارتفاع سيولة أسهم هذه الشركات عند الحاجة إلى الانتقال إلى فرص استثمارية أخرى أو عند الحاجة إلى أموال، إضافة إلى أن الإعلان اليومي عن قيمة التداولات وأسعار الإغلاق لأسهم الشركات المدرجة يساهم أيضاً في اختيار الوقت المناسب للشراء والبيع من قبل المستثمرين، ويساهم في سهولة احتساب ثروات المستثمرين في أسهم الشركات إضافة إلى أن المصارف تفضل أسهم الشركات المدرجة كضمان في مقابل القروض والتسهيلات الممنوحة. وتحقق أسواق المال بالطبع أهدافاً عديدة من إدراج أسهم الشركات، يأتي في مقدمها تنويع الفرص الاستثمارية أمام مختلف شرائح المستثمرين وبالتالي زيادة عمق السوق وارتفاع قيمة تداولاتها، ما ينعكس إيجاباً على إيرادات الأسواق، وتساهم قوانين وتعليمات هيئات الأوراق المالية بالإفصاح الدوري كل ثلاثة أشهر عن نتائج البيانات المالية للشركات في ترشيد قرارات المستثمرين لجهة ارتباط حركة أسعار أسهم الشركات، سواء بالارتفاع أو بالانخفاض، بتطور أدائها، إذ يفترَض أن ترتفع أسعار أسهم الشركات بما يتناسب ونمو قيمة أرباحها أو العكس. ولا تسمح أسواق مال كثيرة في المنطقة للشركات بإدراج أسهمها إلا بعد استيفاء شرط ينص على نشر موازنتين لسنتين متتاليتين تظهران أرباحاً كي يستطيع المستثمر تحديد السعر العادل لأسهمها استناداً إلى مستويات أدائها، وكي يستطيع من خلال البيانات المالية التي نشرتها الشركات التأكد من كفاءة الإدارة وصدقية دراسة الجدوى الاقتصادية أو العكس. لكن بعض أسواق المال العربية، ومنها، مثلاً، سوقا الإمارات وسوق الأردن، يسمح للشركات الحديثة التأسيس بإدراج أسهمها في الأسواق قبل أن تباشر أعمالها التشغيلية. ونتيجة سيطرة سيولة المضاربين الأفراد على حركة هذه الأسواق، لوحظ ارتفاع أسعار أسهم بعض الشركات الحديثة التأسيس إلى أربعة أو خمسة أضعاف قيمتها الاسمية أو قيمتها التأسيسية أثناء طفرة الأسواق بما لا يتفق مع المنطق الاستثماري أو يتنافى معه، ويساهم في ارتفاع أخطار الاستثمار، ويعكس تهميشاً واضحاً لمؤشرات ومعايير الاستثمار ويعكس أيضاً ضعف ثقافة الاستثمار، فارتفاع سعر أسهم أي شركة إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف القيمة الاسمية أو التأسيسية يجب أن يتزامن مع ارتفاع أرباح هذه الشركات إلى ما بين 30 و40 في المئة من رؤوس مالها، وهذا يحتاج بالطبع إلى سنوات حتى يتحقق. ولا تتوافر لبعض الشركات الإدارة الكفء فلم تحقق توقعاتها في نمو أرباحها استناداً إلى نشرة الإصدار عند طرح أسهمها للاكتتاب العام والمرتبطة بدراسة الجدوى الاقتصادية للشركات. وهكذا يعكس تداول أسهم الشركات الحديثة التأسيس بأضعاف قيمتها الاسمية وقبل نشر الشركات أي بيانات مالية، انخفاضاً في كفاءة السوق. ولبعض كبار المضاربين دور سلبي في المضاربة على أسهم هذه الشركات لتحقيق أرباح سريعة مستفيدين من ضعف الوعي الاستثماري لصغار المضاربين. وكان لبعض المصارف الوطنية في العديد من دول المنطقة دور سلبي في تعزيز المضاربة على أسهم الاكتتابات الحديثة من خلال تقديمها تسهيلات مالية ضخمة للمستثمرين في الاكتتابات ساعدتهم في الحصول على أكبر كمية من أسهم هذه الشركات. ويؤدي هذا بالطبع إلى انخفاض كبير في نسبة التخصيص، إذ وصلت قيمة الأموال المكتتب بها في أسهم بعض الشركات الحديثة التأسيس والتي طرحت للاكتتاب العام في الإمارات ما بين عامي 2005 و2006 أكثر من 150 ضعف قيمة الأسهم المطروحة للبيع، فبلغت نسبة التخصيص أقل من واحد في المئة، ما رفع كلفة الأسهم المخصصة إلى أضعاف قيمتها الاسمية نتيجة ارتفاع قيمة فوائد المصارف وعمولاتها وانعكس بالطبع على سعر أسهم هذه الشركات عند إدراجها في الأسواق المالية، إذ وصل سعر أسهم بعض الشركات إلى سبعة أضعاف قيمتها الاسمية قبل أن تباشر أعمالها التشغيلية. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»