مخطئٌ من يظن أن إسرائيل غافلة عن السودان، وأنها لا تتابعه ولا تراقب أفعاله، ولا تهتم بسياساته وتحالفاته، ولا تجهد أجهزتها الأمنية نفسها في التجسس عليه، وزرع العيون فيه، وبث الجواسيس والعملاء في أرضه وبين شعبه، فهي لا تغيب عن السودان، وقد لا تغادر أرضه، ولا تبرح تتقمص هيئاتٍ عدة ووجوهاً مختلفة للدخول إليه، فتدعي تارةً الإنسانية وتتسلل، وتلبس تارةً أخرى لبوساً دولياً وتدخل، وقد لا تعمل وحدها في السودان، بل تساعدها مؤسساتٌ دولية أخرى تدعي الإنسانية، وهي منها براء، ما جعل إسرائيل حاضرةً دوماً على مسرح الأحداث السودانية. إسرائيل لم تغمض يوماً عينها عن السودان، ولم تهمل معلومةً عنه أو فيه، فهي تعتبر السودان عدواً لها، وأن شعبها يتطلع، كما كل العرب والمسلمين، إلى دحرها وطردها من الأرض العربية الفلسطينية، وتخليص المنطقة كلها من شرورها وعدوانها، وتدرك أنهم على استعداد لأن يكونوا جنوداً في هذه المعركة، ورجالاً مخلصين لهذه الأمة، فالسودان في المفهوم الأمني القومي الاستراتيجي الإسرائيلي هو مخزون الأمة العربية والإسلامية، ومستودعها من الرجال والعتاد والعقيدة، قلوب شعبه متعلقة بالقدس، وحلمهم يكبر للصلاة في مسجدها الأقصى، وعيونهم ترنو لتعود فلسطين حرةً سيدة، لا احتلال يضطهدها، ولا عدوٌ يدنس أرضها، فترى الألم يعتصر قلوبهم وهم يرون الجرح الفلسطيني ينزف، والعدو الإسرائيلي يمعن في القتل والتخريب والتدمير، ولا من ينتصر لهم أو يهب لنجدتهم، ما جعل إسرائيل تضع السودان على قائمة أعدائها، وفي صدارة المناوئين لسياستها، لهذا فهم يقاتلونها، ويشحذون هممهم دوماً لحربها. الاعتداء الإسرائيلي على مصنع الذخيرة السوداني ليس الاعتداء الأول، ولن يكون الأخير، ما بقي السودان في مربع المقاومة، وعضواً في معسكر الممانعة، فسيبقى هدفاً للعدو الإسرائيلي، يتقصده ويتتبعه، ولن يتأخر في المبادرة بالقصف، فهو عدوٌ خائفٌ وجبان، وقد سبق له أن ضرب قوافل سودانية وسيارات مدنية، مدعياً أنها قوافل إغاثة عسكرية للمقاومة الفلسطينية، تحمل عتاداً وسلاحاً، ووصف هجماته بأنها ضرباتٌ وقائية، وحاول إقناع دول العالم بشرعيتها وأهميتها، وأنها بضرباتها العسكرية تجهض مشاريع «إرهابية»، وتقضي على محاولات تعزيز قوة المقاومة. السودان يدرك أنه يتعرض للإعتداء بسبب مواقفه المعادية لإسرائيل التي يشكل خطراً عليها في المستقبل، فهو سلة العرب الغذائية، وبوابة الإسلام الأفريقية، ومستودع طاقتها المستقبلية، نفطاً ومكوناتٍ نووية، ولأنه لم يخضع ولم يخنع فقد جاع شعبه، وتأخرت نهضته، وتعطلت مشاريعه، وتأججت نار الحرب فيه، فأحرقت خيراته، وقتلت خيرة رجاله، وما زالت رحى المؤامرة تدور، وعيون الخبثاء تتربص. لقد ظل السودان يتصدر الأمة العربية والإسلامية، بلاءاته الثلاث الشهيرة، التي ارتبطت به ومنه انطلقت، لا اعتراف بإسرائيل، ولا تفاوض معها، ولا تنازل عن الحقوق الفلسطينية، فاستحق السودان عقاباً دولياً سرمدياً لا ينتهي إلا بتراجعه عن مواقفه، ومغادرته لمربع المقاومة والتحاقه بركب الذين يرون في إسرائيل واقعاً وفي وجودها حقيقة.