انسوا أمر الإعصار «ساندي». اصرفوا النظر عن الآثار الكارثية التي خلّفها في المدينة الكوزموبولوتية الأولى عالمياً التي تسمى «التفاحة الكبيرة». لا تأبهوا بالفوضى وغرق متروات الأنفاق، وهي شريان الحياة الرئيسي للمدن الغربية الكبرى، وتصدع البيوت وتشرد آلاف الأميركيين. كلا. لن تؤثّر هذه مجتمعة في الانتخابات الرئاسية الأميركية. ليس لأن المرشحين للرئاسة أوقفا حملتيهما التي تروّج لهما على طريقة الترويج للسلع ذات الماركات العالمية، ولا لأن أوباما أظهر نفسه قائداً لا يترك دفة السفينة حين تضرب الرياح العاتية، أو أن رومني أظهر حسّاً سياسياً عالياً وتعامل مع الكارثة كشأن وطني يعلو على منافسات السياسة وحزازاتها الضيّقة. ليس لكل هذه الأشياء الأولوية، بحسب ما رأت مجلة «ساينس» الأميركية أخيراً، بل أن اليد العليا في تقرير مصير الانتخابات الرئاسية في بلاد العم سام ستكون ل «فايسبوك»: الشبكة الرقمية الأبرز في التواصل الاجتماعي عبر الانترنت. استطلاع مليوني موسّع استندت هذه المجلة، وهي الناطقة رسمياً باسم «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم»، في رأيها الوارد أعلاه، على دراسة شملت 61 مليون مستخدم لموقع «فايسبوك»، بيّنت أن اللجوء إلى الشبكات الاجتماعية على الإنترنت لحثّ الرأي العام على التصويت، يعطي نتائج أكثر فعالية في التأثير على سلوكهم الاقتراعي، من تزويدهم بالمعلومات العامة ذاتها عبر الإعلانات التلفزيونية أو الاتصالات الهاتفية أو غيرها من الأشياء التي ألِف المحللون السياسيون الالتفات إليها في سياق رصد الحملات الرئاسية أميركياً. وتلت هذه الدراسة بحثاً أعدّته مجلة «ساينس» نفسها ونشرته على موقعها الإلكتروني في الصيف الفائت. تعقب البحث طُرُق تأثير الناس بعضهم على سلوك بعض عبر موقع «فايسبوك». ولم يُجِب البحث عن سؤال عما إذا كان التأثير الاجتماعي على «فايسبوك» يُترجم إلى سلوك ملموس في الواقع الفعلي، عندما يبتعد الناس عن شاشة الحاسوب. وثمة تحدّ علمي في إظهار علاقة السلوك على الإنترنت مع تصرّف الناس على أرض الواقع، مع ملاحظة أن هذا الأخير دُرِس باستفاضة. في ربيع العام 2010، وقع العالم الاجتماعي جايمس فولر في جامعة كاليفورنيا في «سان دييغو» على فرصة ذهبية. وبعد تعرّفه الى كامرون مارلو، مدير فريق «علوم البيانات» الجديد في مقر «فايسبوك» الواقع في «منلو بارك»، كاليفورنيا، طرح فولر سؤالاً عن إمكان إجراء تجربة عبر شبكة «فايسبوك» الاجتماعية العملاقة. وشاءت الصدفة أن تجري انتخابات الكونغرس الأميركي في تشرين الثاني (نوفمبر) من ذلك العام. وحينها، اعتزم موقع «فايسبوك» شنّ حملة محايدة للتشجيع على التصويت، بغية تذكير الناس بالاقتراع عبر ترك رسالة على قسم «آخر الأخبار» في صفحات مستخدمي «فايسبوك». ومع إضفاء تعديلات بسيطة على طريقة نشر تلك الرسائل، من جعل الحملة تتخذ شكل تجربة علمية اجتماعية شاملة وخاضعة للمراقبة. ومع ملاحظة أن أقل من 40% من المواطنين الأميركيين المؤهلين للتصويت يقترعون عادة في انتخابات الكونغرس، أي أثر يستطيع «فايسبوك» توليده؟ وافق مارلو على إجراء هذه التجربة، مشترطاً بقاء المعلومات الشخصية المتعلّقة بمستخدمي «فايسبوك» سرّية. ويُذكر أن روبرت بوند، وهو طالب في مرحلة الدكتوراه يشرف عليه فولر، كان على رأس فريق البحث. نجاح غير افتراضي! في يوم التصويت، تلقى قرابة 60 مليون شخص رسالة شجعتهم على المشاركة في الانتخابات تضمّنت روابط إلى مراكز الاقتراع المحلية، بالإضافة إلى زر «قمت بالتصويت»، وصور لستة من أصدقائهم اختيروا بطريقة عشوائية ممن نقروا على زر «قمت بالتصويت». وقامت مجموعتا مراقبة يضم كلٌّ منهما 600 ألف شخص تقريباً، إما بتلقي نسخة من الرسالة مقرونة بمعلومات التصويت لكنها خالية من صور الأصدقاء، أو أنها لم تتلق أي رسالة على الإطلاق. ولتعقّب المشاركين الفعليين في التصويت، قارن الفريق أسماء الأشخاص وتواريخ ميلادهم بالأسماء والتواريخ الواردة في لوائح المشاركين الرسمية في الانتخابات. وفي حال تجاوز تأثير أصدقاء «فايسبوك» الإنترنت، فإن رؤية الصور الشخصية ينبغي أن يُترجم إلى تصويت في الواقع. يبدو أن استخدام الصور في هذه الحملة مثّل عنصراً ناجحاً، إذ تبيّن أن إقبال الذين تلقّوا رسائل تُعلِمهم بتصويت أصدقائهم، على التصويت، جاء أعلى بنسبة 0.39% من احتمال إقبال متلقي رسائل خالية من معلومات اجتماعية. عبّر هذا الفارق عن نفسه بزيادة عمليات التصويت بواقع 282 ألفاً، وفق ما أعلنه الفريق على الموقع الرقمي لمجلة «نيتشر» العلمية الشهيرة. وكان التأثير أقوى 4 مرات من تأثير تلقي الرسالة المتعلقة بالتصويت خاليةًَ من صور الأصدقاء.