لم يكن الموقع الإلكتروني الاجتماعي «فايسبوك» بحاجة الى مزيد من الشهرة في مصر، عندما تصاعدت حمى الحملات الانتخابية للدورة الرئاسية المقبلة. ولم يبد مُدهشاً أن تستعر حمى الحملات السياسية في هذا الموقع الذي أصبح جزءاً من الحياة اليومية للناس في مصر. وبحسب تقرير رسمي، تحتل مصر المرتبة الأولى عربياً في الموقع، إذ يقدر عدد المستخدمين المصريين فيه بما يزيد على 2.5 مليون شخص، من أصل 14.5 مليون هم عدد مستخدمي الإنترنت في مصر. والحق أن هذا الموقع حقق اختراقاً ضخماً في الحياة السياسية في مصر، قبل أن يتصاعد غبار معركة الرئاسة. ففي يوم السادس من نيسان (أبريل) 2008، وللمرّة الأولى تاريخياً، ولدت حركة سياسية كلياً من الفضاء الافتراضي للإنترنت، هي «حركة 6 أبريل». ويصعب العثور على سابقة كهذه، بمعنى ولادة واقع سياسي من حراك افتراضي، في سجل العلاقة بين الانترنت والسياسة. وحينها، نجحت مجموعة من الشباب المصري على موقع «فايسبوك» الشهير في تحريك الشارع ودفعه الى أحد أضخم الإضرابات في تاريخ مصر الحديث. وبفضل «فايسبوك» ورسائل الخليوي (وربما ملابسات أخرى أيضاً)،التزم ملايين المصريين المنازل احتجاجاً على التجديد للرئيس حسني مبارك. ووصلت الأمور الى نقطة أبعد في مدينة «المحلة الكبرى»، مع إضراب عمال النسيج، وصدامهم مع قوات الأمن. وكذلك اعتقلت إسراء عبد الفتاح، التي كُرّست زعيمة ل «إضراب الفايسبوك»، وزميلتها دينا مبارك. ولم تمكثا طويلاً في السجن. وترافق ذلك مع إعلان «حركة 6 أبريل» نفسها طرفاً سياسياً فعلياً، ونشرت برنامجاً سياسياً على صفحات «فايسبوك» أيضاً. وفي المقابل، تحوّل «فايسبوك» الى ساحة مُكرسة للنشاط السياسي في أذهان المصريين. ويستطيع متابعو الأقنية الفضائية المصرية، ملاحظة مدى حضور «فايسبوك» في البرامج السياسية والمسلسلات ومواد الترفيه وحتى أشرطة الكرتون! وتلقف «فايسبوك» ترشيح الدكتور محمد البرادعي للرئاسة بقوة. إذ تبنته «حركة 6 أبريل». وتألفت مجموعات متنوّعة على «فايسبوك» لتأييد البرادعي، وكذلك لمعارضة التوريث في رئاسة النظام الجمهوري. ترى ما هي الصورة التي ترسمها علاقة «فايسبوك» بالسياسة والانتخابات الرئاسية في مصر؟ هل أن ازدهار السياسة على الفضاء الافتراضي للإنترنت هو امتداد لهامش من الديموقراطية في الواقع المصري، أم أن الأمر يتصل بتخلّف مؤسستي الدولة والحزب في العالم الثالث، ما يجعلهما على تناقض مع الذائقة التي تنميها الإنترنت لدى النُخب التي تتعامل معها، خصوصاً الشباب؟