دخلت المواجهة بين الحكومة، ومن ورائها قوى الأكثرية التي تتشكل منها، وبين «قوى 14 آذار» التي تشترط استقالتها قبل استئناف الحوار الوطني ولحضور جلسات المجلس النيابي، إن في اللجان النيابية أو في الهيئة العامة، مرحلة اللاعودة، وباتت مواقف كل من الفريقين أشبه بخطين متوازيين لا يلتقيان. فيما أفسحت زيارة مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط إليزابيث جونز المجال لتوضيح الموقف الأميركي من مسألة التغيير الحكومي من دون التغيير في جوهره وهو الدعوة الى «تجنب حصول فراغ وإلى استمرار عمل المؤسسات». وفيما عقدت جلسة مجلس الوزراء، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان مساء أمس، وبإصرار من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ودعم من رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط، من أجل تفعيل عمل الحكومة رداً على إصرار 14 آذار على استقالتها، ألحقت الأخيرة موقفها المتشدد من الحكومة و «حزب الله» في بيانها الشامل الذي أصدرته أول من أمس، بمقاطعة دعوة رئيس البرلمان نبيه بري الى عقد اجتماع تشاوري لهيئة مكتب المجلس ورؤساء ومقرري اللجان النيابية انطلاقاً من رفضها لمنطق أن «يبقى الوضع على حاله بعد اغتيال اللواء وسام الحسن كأن شيئاً لم يكن»، وتجمعت المنظمات الشبابية في المعارضة وهيئات المجتمع المدني أمام السراي الحكومية السادسة والنصف مساء بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء في القصر الرئاسي تأكيداً لرفضها بقاء الحكومة ومطالبتها بقيام حكومة حيادية. وفيما أجمعت الأوساط المواكبة للمأزق السياسي الذي دخلته البلاد، منذ اغتيال اللواء الحسن في 19 الشهر الماضي، على غياب أي مناخ محلي أو خارجي يساهم في إنضاج أي مخرج أو تسوية للأزمة، فإن زيارة الديبلوماسية الأميركية جونز، والتي كانت مقررة منذ مدة واجتماعاتها مع كل رؤساء الجمهورية ميشال سليمان، والبرلمان نبيه بري وميقاتي ورئيس حزب «الكتائب» الرئيس السابق أمين الجميل، ثم نادر الحريري، مدير مكتب زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أدت الى تأكيدها للأطراف الذين التقتهم أن بلادها ليست ضد تغيير الحكومة الحالية، لكنها متخوفة من الفراغ وتدعو، بحسب قول مصادر رسمية، الى التروي في الخطوات لمعالجة الأزمة، وأعربت عن تقديرها لتحرك الرئيس سليمان. وذكرت المصادر أن جونز كررت القول إن واشنطن تدرك أن «حزب الله» يمارس أجندة خاصة به لها علاقة بمصالح إيران وهو الذي يملي الكثير من خطوات هذه الحكومة، مشيرة الى تدخله في الأزمة السورية الى جانب النظام، وإلى إرساله الطائرة من دون طيار الى الأجواء الإسرائيلية، «لكن الوضع في المنطقة يوجب الحذر في أي خطوة، منعاً لأي انعكاسات سلبية على لبنان». وفي إطار الاهتمام الأوروبي بالوضع اللبناني اجتمع أمس المبعوث الخاص للخارجية الإيطالية لشؤون الشرق الأوسط موريزيو مساري مع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وجنبلاط. وكان سبق للمدير العام لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية الألمانية بوريس روج أن التقى السنيورة وعدداً من المسؤولين أول من أمس. وذكرت مصادر رسمية أن الرئيس ميقاتي يحرص في هذا السياق، وبموازاة تمسكه بعدم الاستقالة، على أن يتم التمييز بينه وبين الحكومة بعد أن بات بعض الدول الغربية يقرن تحذيره من الفراغ بإبداء انتقاده للحكومة وانتمائها الخارجي، في وقت يتحدث بعض الذين يقترحون المخارج أن يتم تشكيل الحكومة الحيادية برئاسته، إذا قرر عدم الترشح للانتخابات النيابية، وفي ظل تمسك النائب جنبلاط ببقائه في رئاسة الحكومة إذا لا بد من التغيير. لكن المصادر نفسها قالت إ ن فكرة الحكومة الحيادية لا تلقى أي صدى إيجابي لدى «حزب الله» أو الرئيس بري وحتى جنبلاط، هذا فضلاً عن رفض هؤلاء جميعاً التغيير الحكومي في هذه الظروف. وأوضحت المصادر الرسمية نفسها أن اجتماع الرئيس سليمان مع النائب جنبلاط ليل أول من أمس، وقبله زيارة ميقاتي لجنبلاط، لم يبحثا في أي مخرج أو يضيفان جديداً سوى تمتين العلاقة بين الثلاثي المتعاون في الكثير من الملفات، إضافة الى التداول في عمل الحكومة التي يصر عدد من مكوناتها على استعجال التعيينات الإدارية فيها وعدم الاكتفاء بإقرارها التشكيلات الديبلوماسية أمس، والتي كان وزير الخارجية عدنان منصور أحالها عليها، بعد أن كان سبق الجلسة اعتراضات وملاحظات عليها من الرئيس سليمان وجنبلاط وبعض الوزراء، خصوصاً أنها أحيلت على مجلس الخدمة المدنية أول من أمس ولم يتسن له دراستها بالتفصيل لإبداء رأيه بمدى مطابقتها للأصول الإدارية، لا سيما أنها تتضمن أسماء الكثير من السفراء من خارج ملاك الخارجية. وكان الرئيس بري أسف لمقاطعة نواب المعارضة اجتماع الأمس النيابي برئاسته، وقال: «صحيح أن المقاطعة موقف لكن المقاطعة هنا ليست للحكومة لأن الاجتماع ليس له طابع حكومي». وأضاف أنه يتريث في الدعوة الى اجتماع الهيئة العامة للبرلمان لأنه «حريص على مشاركة كل المكونات السياسية فيها». يذكر أن معظم نواب قوى 14 آذار، إضافة الى أن مقاطعتهم للاجتماعات تعود الى موقف سياسي، باتوا يتجنبون التنقل كثيراً وباتوا في شبه إقامة جبرية نظراً الى التهديدات التي بلغت عدداً منهم بالقتل. وهي تهديدات زادت في الأيام الأخيرة وشملت نواباً جدداً. وكان وزراء جنبلاط سجلوا تحفظهم عن تعيين 5 سفراء جدد من خارج الملاك. واستهل الرئيس سليمان جلسة مجلس الوزراء بالإشارة الى «تزامن جريمة الأشرفية والأحداث الأليمة في لبنان»، داعياً الى «متابعة الجريمة بدينامية أكبر بإشراف رئيس الحكومة والوزراء المعنيين». وقال إنه باشر «مشاورات لعقد جلسة طارئة للحوار» وأنه لم يجر «استشارات نيابية أو لتشكيل حكومة جديدة، لكن زواري هم من فاتحني بموضوع الحكومة». وقال: «إن الدعوة إلى الحوار قابلها فريق المعارضة بالدعوة لإسقاط الحكومة»، مؤكداً أنه «لم يتجاوز الدستور ولم يقفل الباب أمام أي طرح، فإذا كانت الإرادة لتغيير حكومي ولكن نحو الأفضل، أي نحو حكومة وحدة وطنية، فالباب ليس مقفلاً أمام أي طرح»، آملاً أن «يعيد فريق المعارضة النظر بموقفه لأن أحداً لا يستطيع رفض الحوار وربطه بأي شرط»، مشيراً الى «الحرص الدولي على الاستقرار السياسي والأمني في لبنان». ونوّه سليمان ب «إجراءات الجيش وقوى الأمن في ضبط الوضع بسرعة وهنأهم على «منع الدخول الى السراي الحكومية لافتاً الى أنه «اطلع من قادة الأجهزة الأمنية على تصورهم وخطتهم في المرحلة المقبلة لطمأنة الناس والحؤول دون حصول اغتيالات جديدة». وأكد الرئيس ميقاتي أن «الرد على كل تجنٍ يكون بتفعيل العمل الحكومي»، مجدداً «الدعوة الصادقة للتلاقي والتفاهم». وقال: «نحن مؤتمنون على مصالح الناس ومستعدون للحوار الذي يقود الى رسم معالم واضحة لحل منشود بعيداً من التصعيد والتهويل، لأننا لا نقبل بجر البلد الى الفراغ أو المجهول». ورأى أن «استقالة الحكومة لا يمكن أن يكون عنواناً لأزمة جديدة، بل يجب أن يكون حلاً لأزمة قائمة».