اعتبر محللون أن تداعيات «الربيع العربي» في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، إضافة إلى استمرار تباطؤ الاقتصاد الأوروبي وأزمات الديون السيادية في منطقة اليورو، أضرت بالاستثمار في دول حوض البحر المتوسط، ما دفع بعض المستثمرين إلى إعادة توزيع محافظهم الاستثمارية لصالح دول متقدمة، أو في اتجاه الأسواق الناشئة، ووسع الفجوة في مستويات مبادلة أخطار الائتمان، وكذلك هامش الأخطار لسندات دول المنطقة. وأفاد تقرير أعدته وزارة المال المغربية، بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت مصدر قلق بالنسبة للمستثمرين الدوليين نتيجة أحداث الربيع العربي وتبعاتها، كما تأثرت الدول الصاعدة على غرار بعض الدول المتقدمة، باشتداد أزمة الديون السيادية الأوروبية وتأثيرها على نمو الاقتصاد العالمي. وأدى الخوف من المخاطرة وتدهور ظروف التمويل في السوق الدولية إلى ارتفاع مهم لمستويات الأخطار، حيث تجاوز مؤشر «أيه أم بي أي +» عتبة 400 نقطة. وتضررت الرباط من الأوضاع الإقليمية العربية والأوروبية ومن زيادة الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية في بعض دول «الربيع العربي» في جنوب حوض المتوسط وشرقه. وأشار التقرير إلى أن هوامش أخطار السندات المستحقة بين عامي 2017 و2020 اتخذت منحى تصاعدياً بسبب الأوضاع غير المستقرة في بعض الدول العربية. وعلى رغم محافظة المغرب على التصنيف الائتماني المعتدل عند «بي بي بي» من «ستاندرد أند بورز» و «موديز» و «فيتش»، إلا أن النظرة المستقبلية انخفضت من مستقرة إلى سلبية، ما قد يؤثر في أسعار الفائدة المدينة لدى عودة الرباط إلى سوق الاقتراض الدولية. ومن سلبيات «الربيع العربي» وأزمة منطقة اليورو، أن تلك الدول لجأت إلى صندوق النقد لتحصيل قروض جديدة أو خطوط ائتمان وقائية تجنباً لأخطار مالية محتملة، مثلما فعل المغرب ومصر وتونس، أو طلبت دعماً مالياً أوروبياً، مثل حال إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وإرلندا. الاستعداد للاقتراض وتستعد وزارة المال المغربية لجمع قروض سيادية بقيمة بليون دولار لمواجهة شح السيولة النقدية في المصارف التجارية، وإعادة تشكيل احتياط نقدي من العملات الصعبة، بعدما استنفدت أسعار الطاقة والمواد الأساسية الجزء الأكبر منه. ولا ترغب الرباط في الظهور بمظهر المتعثر، على رغم تكليفها مصارف أوروبية مثل «باركليز» و«نيكسيس» و«ليزارد» بأعمال الوساطة المالية. وتراهن على دعم دول الخليج في هذه المرحلة، إن لناحية تحصيل القروض المطلوبة، أو المساهمة في تمويل مشاريع استثمارية تعتبرها ذات أهمية بالغة، مثل الطاقة النظيفة والإنتاج الزراعي والتوسع السياحي، وهي مشاريع تقدر قيمتها بنحو 46 بليون دولار تضاف إليها مشاريع في مجالات البنى التحتية والخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية. وعلى رغم قرار المغرب إنفاق نحو 20 بليون دولار على تلك المشاريع والبرامج العام المقبل، إلا أنه يحتاج إلى تدفقات استثمارية لا تقل عن ستة بلايين دولار سنوياً على مدى عقد، للإعداد لمرحلة ما بعد الأزمة، والتحول إلى بلد جاذب للاستثمار والسياحة، وُمنتج للغذاء والطاقات البديلة بحلول عام 2020. وعلى رغم سعيها لجلب الاستثمارات العربية، فإن الرباط لا ترغب في التورط في قروض دولية جديدة، وهي تتخوف من تجارب سابقة مع صندوق النقد و «نادي لندن للديون التجارية الخاصة». وتقدر ديون المغرب السيادية بنحو 537 بليون درهم (62 بليون دولار)، تمثل مجتمعة نحو 53 في المئة من الناتج الإجمالي، وهناك شبه اتفاق بين مختلف الفرقاء السياسيين والاقتصاديين على تجنب مزيد من الاستدانة والنظر الى تجارب دول قريبة، أهمها إسبانيا، التي ارتفعت فيها البطالة إلى 25 في المئة وتراجع النمو إلى ما دون الصفر في المئة، وباتت الديون أكبر من الناتج الإجمالي.