لم يرجع وائل عصر ذلك اليوم إلى منزله في بلدة دمّر الساعة الرابعة عصراً كما اعتاد منذ وقت طويل. توقّف عن الردّ على هاتفه، ولم يعرف أصدقاؤه المقربون شيئاً عنه في ذلك اليوم... وفي الثانية عشرة من منتصف الليل، تكلّم مع شقيقه من هاتف غريب، ليعلمه بأنه مُختطف، وأن مَن اختطفوه يطالبون بخمسة ملايين ليرة لإطلاق سراحه. ساعات قليلة واجتمعت العائلة بانتظار اتصال الخاطفين من أجل بدء المفاوضات على المبلغ، فإما الدفع وإما مصير مجهول: تعذيب أو اعتقال طويل أو قتل، ولذلك يكون دفع الفدية «الحل الوحيد» كي لا يعرّضوا سلامة ابنهم للخطر، خصوصاً أنه لن يكون بمقدور الجهات الأمنية الغارقة في مشاكلها أن تفعل لهم شيئاً أو تعيد المخطوف. في النهاية، وافق الخاطفون بعد جولات من الترجي والتوسل على إطلاق سراحه مقابل مليوني ليرة سورية تَعاوَنَت على جمعها عشرات العائلات من أقاربه وأصدقائه. وفي ظروف يُعتبر المفقود فيها بحكم الميت ما لم يثبت العكس، تنتشر عمليات الاختطاف في سورية بشكل غير مسبوق، بفعل الفلتان الأمني، ولا يكاد يخلو يوم من عمليات اختطاف فعلية أو محاولات اختطاف لم تنجح، الأمر الذي يُشعر السوريين بالذعر والقلق من احتمال تعرضهم أو تعرض أفراد عائلاتهم لحوادث خطف قد تذهب بما جنوه طوال عمرهم وتحوّلهم عائلات معدمة. في معظم الحالات، تنتهي العملية كما يخطط لها المنفذون، الذين ما إن ينتهوا من ضحية حتى يبدأون بالبحث عن ضحية أخرى، في تجارة جديدة باتت مزدهرة. تقول سميرة، موظفة تعمل في المدينة الصناعية في مدينة عدرا: «تعرضت زميلتي في العمل للاختطاف أثناء عودتها من العمل منذ ثلاثة أسابيع، ولم نتمكن من معرفة شيء عنها حتى اليوم». وتتابع: «تعيش أسرتها كابوساً حقيقياً، فهم لا يعرفون ما إذا كانت ابنتهم على قيد الحياة أو لا، وهم يتحاشون مغادرة المنزل، على أمل أن يتلقوا اتصالاً من مجهول يعيد إليهم الأمل ويقول إنها لا تزال على قيد الحياة حتى ولو طلب أي مبلغ لإعادتها، لكن هذا لم يحدث بعد». وتضيف: «أخشى من التعرض لشيء مماثل، ما اضطرني إلى التوقف عن العمل، ليس لأني لا أرغب في عيش هذه التجربة القاسية وحسب، بل لأني أفكر بعائلتي الفقيرة، ماذا ستفعل في حال طُلبت منها فدية ضخمة؟». ويروي الطالب الجامعي ثائر تجربته: «تعرضت لمحاولة اختطاف من أشخاص كانوا في سيارة خاصة، حيث توقفوا فجأة عندما كنت في طريقي إلى المنزل ليلاً وحاولوا دفعي إلى السيارة، لكني قاومتهم، ومن حسن حظي ظهرت صدفة سيارة ثانية بينما كنت أتعارك معهم، ففروا وتركوني». ويتابع: «بتّ أتجنب الخروج في ساعات متأخرة من الليل، وبقيت لفترة طويلة أتحسب كلّما مرت سيارة على مقربة مني». الظروف الأمنية الصعبة تُفاقِم جرائم الخطف، وهناك مئات البلاغات في أقسام الشرطة عن مخطوفين ومتغيبين مجهولي المصير، وكثير من الأسر المعنية تفضّل معالجة المشكلة بعيداً من أقسام الشرطة، خوفاً على حياة أبنائها المختطَفين. وعلى ما يبدو، فإن الخط البياني لجرائم الخطف في سوريا يشير إلى تزايدها المستمر، فهذه الجرائم بدأت تأخذ شكلاً أكثر احترافية وتنظيماً، وهي ليست طائفية أو مناطقية، إذ تطاول أفراداً من مختلف الطوائف ومن مختلف الأعمار، كما أنها لا تستثني منطقة، بما فيها قلب العاصمة دمشق، التي تُعتبر «منطقة آمنة» إلى حد ما، وهي تتم بطرق مختلفة، منها التخدير، والاقتياد القسري بعد التهديد بالسلاح... ولعلّ أبرز ملامحها أنها تقع في أحيان كثيرة على أفراد من عائلات ميسورة وقادرة على الدفع. وإضافة إلى كل قصص النزوح واللجوء والتهجير التي يعانيها السوريون هذه الأيام، تأتي جرائم الاختطاف لتزيد من آلامهم وهمومهم، وتجعلهم حذرين في خطواتهم وتحركاتهم، وكأن قدرهم أن يتذوقوا شتى أنواع القهر والعنف والامتهان في وقت واحد.