انتظر محمد العمر (40 عاماً)، وهو سائق باص بين مدينتي نابلس ورام الله، عيد الأضحى المبارك هذا العام بمشاعر متناقضة، فهو من جهة يحب أن يعيش مع عائلته مشاعر البهجة التي يولدها العيد، لكنه من جهة أخرى يعيش قلقاً حقيقياً على دخله المتواضع الذي يؤكد أنه «يطير» (أي يتبدد) في يوم العيد. يقول محمد: «أنا أحب العيد لأنه يجمع العائلة ويفرح الأطفال، لكن دخلي الشهري البالغ 2400 شيكل (600 دولار) يطير بين ملابس الأطفال وصلة الرحم، ويصبح عليّ أن أستدين كي أنفق على البيت بقية الشهر». لكن حال هذا السائق تظل أفضل كثيراً من حالة نحو ربع مليون مواطن آخر عاطل عن العمل. إذ يمر عيد الأضحى على الفلسطينيين هذا العام وهم في ذورة أزمة اقتصادية هي الأشد منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، حسبما قال رئيس الوزراء سلام فياض وعدد من الخبراء الاقتصاديين، تضاف إلى الأزمة السياسية الناجمة عن الاحتلال والاستيطان ونهب الأرض وضياع فرص الحل السياسي. وتظهر الأزمة الاقتصادية بوضوح على سطح الحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث ترتفع معدلات البطالة إلى 24 في المئة، وتترافق مع ركود تجاري، وتفشي ظاهرة الباعة المتجولين الذين يملأون الطرق والساحات العامة وغيرها من الظواهر التي تدل على الفقر والبطالة. ويؤكد أصحاب المحال التجارية وسط رام الله أن العيد هذا العام تميز بوجود حركة كبيرة، لكن نسبة البيع كانت أقل كثيراً من السنوات الماضية. وقال أحد أصحاب محال الألبسة: «أنت تشاهد الكثير من الناس في الطرق، لكن عدداً قليلاً منهم فقط يشتري، الناس يخرجون من بيوتهم للاحتفال بالعيد، لكن ليس لديهم المال لإنقاقه». وتعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية حادة نتيجة تراجع الدعم المالي الدولي والإيرادات المحلية بسبب الأزمة الاقتصادية. وتعمد الحكومة إلى دفع رواتب موظفيها البالغ عددهم 153 ألفاً بالتقسيط بسبب عدم توافر المال. وشهدت الضفة إضرابات للمعلمين قبيل العيد بسبب تدني الرواتب وعدم انتظامها. وأعلنت النقابات عزمها على اللجوء إلى خطوات احتجاجية بعد العيد أيضاً. لكن النقابات التي تدرك أن الأزمة الاقتصادية والمالية أكبر من قدرة السلطة على حلها، أعلنت أنها تعتزم الشروع في حوار مع الحكومة لتقنين الأزمة. ويقول خبراء الاقتصاد أن الأزمة الاقتصادية الفلسطينية نتجت بالدرجة الأولى عن القيود الإسرائيلية على الاستثمار. وكان رئيس الحكومة الذي سطع نجمه بعد نجاحات مالية واقتصادية، أجرى محاولات واسعة لجذب المستثمرين العرب والأجانب للاستثمار في الضفة بغرض تحسين الاقتصاد وخلق فرض عمل. وعقد فياض لهذا الغرض سلسلة مؤتمرات حملت اسم «مؤتمر فلسطين للاستثمار» في مدينة بيت لحم التاريخة والسياحية، دعا اليها مستثمرين من أنحاء العالم، بعضهم من دول الخليج العربي، لتعريفهم على فرص الاستثمار في البلاد. لكن هؤلاء المستثمرين كانوا يترددون في الإقدام على الاستثمار، بسبب عدم سيطرة السلطة على الأراضي والمعابر، إضافة إلى فشل العملية السلمية الذي يهدد بحدوث انفجار في أي وقت. وتسيطر إسرائيل على 60 في المئة من أراضي الضفة، تسخر الجزء الأكبر منها للتوسع الاستيطاني. وحاولت السلطة في السنوات الأخيرة إقامة مناطق صناعية في تلك الأراضي، لكنها أخفقت، أولاً بسبب عدم موافقة السلطات الإسرائيلية، وثانياً بسبب تشكك المستثمرين. وترافقت الأزمة الاقتصادية مع تراجع الدعم الخارجي، ما أدلى إلى نتائج اجتماعية أشد. فالولايات المتحدة جمدت هذا العام مساعدتها المقررة لموازنة السلطة، والبالغة 200 مليون دولار، بسبب توجه الفلسطينيين إلى الأممالمتحدة لنيل مكانة عضو مراقب في المنظمة الدولية. كما توقف بعض الدول العربية في السنوات الأخيرة عن تقديم ما تعهد به من مساعدات للسلطة في مؤتمرات المانحين.