جاء في صحيفة «الحياة» خبر لمحبي فن الأوبرا الموسيقي عن قيام مغنية سوبرانو إماراتية بأداء مدهش لمقطوعات أوبرالية فرنسية في حفلة أقيمت في مدينة أبوظبي ضمن فعاليات الذكرى ال150 لولادة المؤلف الفرنسي كلود دوبوسي، وللمغنية الأوبرالية مشاركات سابقة بدأت في عام 2010 عند الاحتفالات الرسمية للعيد الوطني لدولة الإمارات. وعلى رغم تمكّن المغنية واسمها سارة القيواني من إجادة اللغات الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والروسية، وتدرّبها على أساتذة غناء مشهورين في الكلية الملكية للموسيقى وأكاديمية لندن الملكية، غير أن والديها لا يزالان يتحفظان على عملها الاحترافي، ويفضلان عليه انخراطها في مجال تخصصها الأكاديمي، لا سيما أنها تحضّر اليوم رسالتها في الدكتوراه عن تاريخ النساء السياسي في الشرق الأوسط. الموسيقى غذاء الروح وهذه حقيقة لا تحتاج إلى الاستعانة بالدراسات والأبحاث، فالموسيقى ليست في حاجة إلى إيراد الأدلة فهي وحدها البرهان، ولتتأمل تأثير الموسيقى في روحك وعقلك وكيف تغيّر فيك ما تعجز عن تفسيره ولكنه موجود، وسأحصر تساؤلي في مسألة الموسيقى تحديداً: فما الذي يمنع مناهجنا العلمية من تخصيص حصص للموسيقى للتدريب على عزف مختلف الآلات الموسيقية؟ أليس في الموسيقى بديل أفضل وأرقى من نشاطات أخرى يلجأ إليها المراهق لملء أوقات فراغه؟ وكل برامج ثقافية واجتماعية ترمي إلى السمو بروحانية الإنسان نحرِّمها باسم الدين. وليت اعتراض المعترضين على الموسيقى السيئة والناشزة، وإنما هو رمي الموسيقى كلها بالسوء، هكذا على عمومها، ومن الممكن أن تتسلل من بين الأعمال الفنية، موسيقى نابية ومليئة بالأخطاء الفنية والتقنية، فكل عمل وخصوصاً في بداياته لا يخلو من عيوب، ولكن هل من العدل والاجتهاد وسلامة الرأي أخذ الاستثناءات ذريعة للقضاء على أصل النشاط؟ تجويد القرآن بصوت شجي هو أول الأصوات الموسيقية الذي لا تملك إلا الخشوع والتسليم له، بينما قد تسمع الآيات نفسها بصوت مقرئ آخر لا يملك من حلاوة الصوت واللحن ما يملك الأول، فلا تُحدث في نفسك ذلك الوقع الذي نقلك إليه الصوت واللحن المسبوكين، ومع ذلك، فالموسيقى وحدها هنا هي المعنية ولندع رفع الصوت بالغناء إلى وقت آخر، فلِمَ محونا آلة الموسيقى؟ وبماذا عوضنا هذا النسف في حياتنا؟ فأيهما أكثر نفعاً وسمواً: أن يتعلم الشاب «التفحيط» في السيارة حتى الموت، أم يتعود على حضن آلته الموسيقية وهو غارق في ألحانه السماوية؟ وبالمناسبة، فقد عثر على نوتة لقطعة موسيقية ألفها بيتهوفن وهو أصمّ في أواخر حياته في أرشيف مدرسة دينية أميركية في عام 2005، وعرضت للبيع، فهل نحن معنيّون بكنز موسيقي كهذا يقول عنه الموسيقيون إنه مساوٍ لمستوى السيمفونية التاسعة لبيتهوفن؟! حدثتني إحدى المبتعثات كيف صدف وكانت من ضمن تخصصها الدراسي مادة لها علاقة بتعلّم النوتة الموسيقية، حققت الطالبة فيها نتيجة أذهلت معها مدرّسة البيانو الروسية العجوز، حتى عندما حان وقت الاختبار طلبت الطالبة من معلمتها تقويمها بناء على ألحانها التي استطاعت أن تؤلفها بنفسها، وعلى رغم استغراب المعلمة غير أنها وافقت في سابقة تُحسب لها، ففوجئت بإبداع الطالبة، بل وأصرّت عليها أن ترعى موهبتها في تأليف الموسيقى، فهي وبشيء من الصبر والمران تستطيع أن تصل بها إلى مصاف الألحان الخالدة، وهذا بتقدير المعلمة وخبرتها الطويلة، وقد استمعت بنفسي إلى موسيقى الطالبة وكانت قصيرة نسبياً ولكنها أخّاذة بحق، هذه الطالبة التي من المؤكد أنها تملك حساً وأذناً وموهبة موسيقية لافتة، وجّه لها إنذار رسمي من قبل مشرفها التعليمي، لأن الموسيقى من المواد الممنوع الاقتراب منها، ولن تسمح قوانين الابتعاث للطالبة بدراستها وإن دفعت تكاليفها من حسابها الخاص، طالما أنها ستذكر في كشف موادها الأكاديمي، وهذه كانت نهاية القصة وتحكي عن بداية موهبة قُتلت في مهدها، وفيها الإجابة عن سؤالي إن كنا معنيين بكنز بيتهوفن الذي اكتشف!! ومن غرابة إصرارنا على موقفنا أننا لم نسمع بموسيقيين تطرفوا وصاروا إرهابيين، في حين سمعنا بفارغين صاروا مجرمين، ولا نزال نصرّ على المنع، وكما كان السؤال: فمحونا آلة الموسيقى، فماذا كان البديل؟ [email protected]