مع اهتزاز الأرض بالخطى المستعجلة، وأصوات التلبية المرتفعة، ومع تواري شقائق الرجال من الوقوف في وجه سيل الحجاج المندفع وسط هذا المشهد الرهيب، لم يخل هذا المنظر من تواجد الأطفال القصر برفقة أسرهم، فاندمجت رهبة الموقف بتلك البراءة التي ترتسم على وجوه الأطفال رغم المشقة والسير الطويل، وأداء مناسك الحج. التوأمان محمود ومحمد اللذان بلغا أخيراً الربيع الرابع من العمر، كانا من ضمن طيور الجنة التي كانت تحلق ببراءتها بعد أن أخذا اللهو والجري بين أقدام الرجال والنساء تحت جسر الجمرات رغم وجود زحام شديد في ذلك الجسر، إذ قدما برفقة والديهما عبدالغني ونهى من دولة مصر، اللذين عاشا عقدين متتاليين في انتظار مولودهما الجديد، إلا أن الله وبعد هذه الفترة الطويلة، رزقهما بتوأمين بعد أن قاما بأداء العمرة قبل خمس سنوات، وما إن عادا إلى بلادهما قدم لهم الطبيب المعالج الخبر السعيد بحمل الزوجة. ويروي عبدالغني محمد (49 عاماً) قصة قدومهم إلى المشاعر المقدسة بالقول «في بداية الأمر لم يكن سهل التصديق فطوال 20 عاماً كنت أتمنى أن يجلس ابني في حضني، وفجأة رزقني الله بطفلين، واخترت أن أسميهما محمد ومحمود لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (خير الأسماء ما حمّد و عبّد)، وبعد أن رأى وجهاهما النور قررنا أن نؤدي فريضة الحج شكراً لله على ما وهبه لنا من نعمة. ويضيف عبدالغني وهو من بين مليون ونصف مليون حاج من الخارج قائلاً: «لقد تفاجأت من إصرار زوجتي أن ننتظر حتى يستطيعا الحج ، إضافة الى إصرارها على اصطحاب الطفلين إلى مكة كونهما قدما لنا وجلبا معهما الرزق لنا، وقرارها في تركهما في بيت والدي ووالدتي، فما كان مني إلا أن أوافقها الرأي فبعد ولادتهما لم أتحمل البعد عنهما يوماً واحداً». وكان محمد الابن الأكبر الذي خرج قبل شقيقه محمود ب10 دقائق، بدا على ملامحه الخوف من محاولة التصوير، ونادى والده باللهجة المصرية «بابا متى هنرمي»، فيما كان محمود هو الابن الجريء بحسب ما وصفه أبوه يتنقل من مكان لآخر وسط فرحة غامرة من والديه وهما غير مصدقين لهذا الموقف المنتظر.