عندما حضرت مؤتمر جمعية العلاقات العامة الأميركية «PRSA» في سان فرانسيسكو قبل نحو اسبوعين لم يكن يخطر على بالي أن موضوع الانتخابات الرئاسية الأميركية سوف يطغى على النقاشات الجانبية في المؤتمر، وكذلك أن يكون حديث الشارع، لذلك حاولت في البداية أن استغل الوقت لأتعرف على معالم المدينة قبل التطرق إلى نقاشات الانتخابات الأميركية وتقاطعاتها، فالمدينة مشهورة بجسرها الذهبي، الذي أُنشئ عام 1937، وفعلاً يعد معلماً، من معالم المدينة بل تحفة يحق لها أن تفتخر به، وكذلك سيارات الكيبل المشهورة في سان فرانسيسكو، التي يستقلها كل من جاء لسان فرانسيسكو، وتذكرت كذلك وأنا أتجول في المدينة زلزال عام 1989 المشهور الذي أصابها ودمر عدداً من الجسور، ولكن من يشاهدها اليوم كأن لم يمر عليها ذلك الزلزال. اليوم الأخير من الرحلة خصصته للتجوال في منطقة الساحل التي يطلق عليها فيشر وارف «Fisherman Wharf of San Francisco»، التي تعد معلماً حيوياً فيها، إذ التقيت شخصاً يُدعى Steef Carelson، أبلغني أنه رجل أعمال ويُنهي إجراءات التأشيرة للهند وهو من ولاية أوريغون، ويمثل رؤية رجال الأعمال الذين سوف يصوتون لرومني، وهو ما استقيته من خلال الحديث معه، ويُصر على أن أوباما أُعطي فرصة أربعة أعوام لتصحيح الاقتصاد، إلا أنه عجز، إذ تم صرف بلايين الدولارات على برامج تحفيز الاقتصاد ولم تنجح، بحسب قوله، ولذلك يعتقد أن «رومني» سيكون أفضل خيار بالنسبة لتصحيح الاقتصاد. أما الرؤية الثانية فتمثل شريحة لا بأس بها، من الطبقة المتوسطة، خصوصاً الوسط الأكاديمي، إذ التقيت مع الدكتور دافيد دوزيير وهو أكاديمي مشهور في مجال العلاقات العامة والإعلام، ويمثل رؤية الأكاديميين، يقول إن السباق متقارب جداً، وفي هذه الحال كل الاحتمالات واردة، لكنه ينتقد أداء «أوباما» في المناظرة الأولى، وعدم استغلاله نقاط الضعف لدى «رومني»، كقوله مثلاً إن ما نسبته 47 في المئة من الأميركيين هم عالة على المجتمع الأميركي وكسالى، وهم من سيصوتون لبرنامج أوباما، لذلك لم يستغلها أوباما للنيل من رومني في هذه النقطة، خصوصاً في هذا الوقت بالذات، وأن محاولته الظهور بالرجل المحترم وصورة ال«Gentlman» لن تجدي نفعاً تجاه الأميركيين، إذ ظهر في المناظرة وكأنه أستاذ جامعة، وهذه استراتيجية غير ناجحة في مناظرات حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية. لقد كانت نتائج المناظرتين بين المرشحين مؤثرة جداً، ومثلتا نقطتي تحول في مسار الانتخابات، فقد كسب رومني المناظرة الأولى بشهادة الجميع، وبحسب استطلاعات الرأي العام، إذ استغل نقطة ضعف أوباما وهي الاقتصاد وركز عليها، إضافة إلى أن أوباما لم يكن مستعداً بشكل جيد للمناظرة، بعكس المناظرة الثانية التي كان مستعداً لها بشكل جيد، وكذلك كان هجومياً على رومني، فقد كتب كارل روف «Karl Rove» في صحيفة الوول ستريت جورنال «The Wall Street Journal» الصادرة أعداد أيام من الجمعة إلى الأحد مقالاً بعنوان «أوباما كسب المناظرة ولكنه خسر الجدال»، يبين في المقال أن أوباما سيخسر إذا كان السؤال الحيوي هو: مَنْ الأفضل لإدارة الاقتصاد؟ فحسب استطلاع قناة الCNN، الذي أجرته للإجابة عن ذلك السؤال، حصل رومني على 58 في المئة، بينما حصل أوباما على 40 في المئة، ما يعزز الاعتقاد لدى الجميع بأن الاقتصاد سيكون المحرك لهذه الانتخابات، إذ سيحاول الفريق الجمهوري التركيز عليه بحيث يصبح هو دائرة الاهتمام للناخب الأميركي. كما أن هناك خشية لدى الحزب الديموقراطي وإدارة أوباما من تداعيات أزمة السفارة الأميركية في ليبيا سياسياً، إذ من الممكن أن يستغلها الجمهوريون، وهم الآن يطالبون بتشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات الحادثة، على رغم إعلان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تحملها المسؤولية كاملة، إذ تشير المؤشرات إلى أن السفير كان يطلب تعزيز الإجراءات الأمنية في السفارة، إلا أن طلبه لم يتم الاستجابة له، لذلك هناك تخوف من الديموقراطيين، من تكرار أزمة الرهائن في إيران عام 1980 من الحزب الجمهوري، وهو شعور أظهر تردداً لإدارة أوباما في التدخل العسكري في الأزمة السورية، علماً بأن لديها رصيداً في ذلك وهو القضاء على زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، التي لم يستطع الفريق الديموقراطي استغلالها بالشكل المناسب حتى الآن، والوفاء بالانسحاب من العراق، وكذلك التعهد بالانسحاب من أفغانستان في عام 2014، وهما المستنقعان اللذان جعلا الرأي العام الأميركي يفقد شهيته في التدخلات الخارجية بعد حرب فيتنام. لا شك أن الاقتصاد سوف يكون المحرك الرئيس في هذه الانتخابات، ولذلك من يستطيع من المرشحين إقناع الشعب الأميركي برؤيته الاقتصادية سيفوز، علماً بأن الوضع الاقتصادي لا يزال بعيداً من الحل الجذري، إذ يخشى الكثير ممن قابلتهم في المؤتمر أن يتكرر سيناريو كارتر ريغان في انتخابات عام 1980، إذ كانت استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن حظوظ المرشحين متقاربة جداً، ولكن في الانتخابات فاز ريغان بغالبية ساحقة، ولذلك بمقارنتها بظروف الانتخابات الحالية الاقتصادية والسياسية يقول المراقبون إنها متقاربة جداً، إلا أن التضخم وسعر الفائدة كانا في ذلك الوقت أعلى، بينما الآن أقل، لكن تباطؤ النمو الاقتصادي في الوقت الحالي هو ما يجعل الظروف متقاربة، ولذلك يخشى الخبراء والمحللون وكل من تحدثت معهم من تكرار سيناريو «ريغان - كارتر». أتوقع أن حظوظ أوباما لا تزال أوفر من ميت رومني، وبحسب ما رشح من المناظرة الثالثة، ومثلما فعل في الثانية، علماً بأن المناظرة الثالثة كانت عن السياسة الخارجية، التي أظهر أوباما تفوقاً فيها على ميت رومني عديم الخبرة، كما أن ميول رومني لغلاة الجمهوريين وابتعاده عن الوسط، سوف يعزز فرص أوباما، علماً بأن رومني بدأ يقترب من الوسط الجمهوري، وهو ما ظهر جلياً في مناظرته الثالثة، خصوصاً في ما يتعلق بالموضوع الإيراني، وعدم ثباته على موقف واحد، علماً بأن المناظرة انحرفت في كثير من الأحيان للشأن الداخلي، وهو ما يؤيد اهتمام الناخب الأميركي. والسؤال المطروح هو: هل يستطيع باراك أوباما أن يُنفذ ما وعد به في حملته الأولى بإرساء السلام بين العرب والإسرائيليين، أم أنه يفشل ويخضع للضغوط من مناصري الكيان الصهيوني؟ * أكاديمي سعودي. [email protected]