انتقد وزير السياحة اللبناني فادي عبود، منتج المسلسل التلفزيوني «هوملاند»، وهدده برفع دعوى قضائية لأنه أساء إلى القطاعين السياحي والأمني في لبنان. واستند الوزير عبود في تهديده إلى مشهد من المسلسل يصوّر قناصين أميركيين يراقبون لقاء في وسط بيروت جمع إرهابياً مع قائد يفترض أن يكون من «حزب الله». والاحتجاج الذي ساقه وزير السياحة يصب في مصلحة الوزارة التي يمثلها خلال مرحلة حساسة يشكو فيها أصحاب الفنادق والمطاعم من نتائج المقاطعة الخليجية والأجنبية. لذلك، رأى في توقيت بث المسلسل إصراراً على تعمد الأذى من قبل شركة اختارت مواقع التصوير في إسرائيل، وزعمت أنها التقطت في لبنان! بعد مرور أقل من ثلاث ساعات على صدور تهديد الوزير عبود، اغتالت يد الإرهاب في منطقة الأشرفية اللواء وسام الحسن، رئيس شعبة المعلومات في الأمن الداخلي اللبناني. ومع أن تصفيات مماثلة حصدت في السابق 220 شخصية سياسية وحزبية ودينية وإعلامية... إلا أن مقتل وسام الحسن شكّل ضربة قاصمة للجهاز الذي طوره بعد سنة 2005. أي الجهاز الذي بدأ بعدد متواضع لا يزيد على 160 عنصراً وانتهى بانخراط ثلاثة آلاف عنصر في أقوى مؤسسة أمنية عرفها لبنان منذ إنشاء «المكتب الثاني» في عهد الرئيس فؤاد شهاب. ومن أبرز منجزاتها اكتشاف قتلة الرئيس رفيق الحريري. وتقديراً لذلك الدور الذي ختمه الحسن بتفادي مجزرة في عكار أوصى بتنفيذها اللواء السوري علي مملوك، طلب سعد الحريري أن يدفن صديق العائلة إلى جانب والده. وهذا ما حدث يوم الأحد الماضي. ردود فعل الأحزاب والزعامات اللبنانية كانت متباينة ومتناقضة وفق المواقع السياسية. ومع أن وسام الحسن كان محسوباً على تيار 14 آذار، إلا أن جهوده أثمرت في بلدان عدة، بما فيها سورية حيث نبه النظام إلى وجود 17 عميلاً إسرائيلياً، إضافة إلى إبلاغ قوى الأمن اللبناني عن وجود 25 شبكة تجسس تنشط لمصلحة إسرائيل. ولكن هذه الجهود لم تحظ بالتقدير، في نظر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، لأن بشار الأسد كان يرى في وسام خصماً عنيداً كونه يعمل على تعطيل مخططاته في لبنان. وهذا ما يفسر الاتهامات الفورية التي أدلى بها جنبلاط إلى الصحف وشبكات التلفزيون، معلناً ضلوع النظام السوري في عملية القتل لأن اللواء الحسن تجرأ ونسف مشروع الاغتيالات في منطقة عكار. أي المشروع الذي يورط لبنان في حرب أهلية مذهبية تبعد الحصار عن سورية، وتشغل الدول الكبرى في دائرة حرب أخرى. واستبعد جنبلاط كل الافتراضات التي تتهم «حزب الله»، معلناً تحييد موقفه حيال الحزب الذي اشتبك معه في أحداث أيار (مايو) 2008. وفي ضوء تلك الواقعة الدموية، قرر الزعيم الدرزي إبقاء علاقته مع السيد حسن نصرالله ودية ومنفتحة، خصوصاً بعدما سمع منه مراراً وتكراراً أن «حزب الله» لن ينجر إلى حرب طائفية حتى لو أطلق النار على أفراده استفزازاً. في هذا السياق، وجه رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط، انتقادات عدة إلى بعض القيادات اللبنانية، لأنها تستعجل رحيل الحكومة قبل الاتفاق على تأليف حكومة شراكة وطنية. ومثل هذا الموقف المرتجل، في رأيه، يدخل البلاد في الفراغ، الأمر الذي يحول الأنظار عن الثورة السورية. والحل، كما عرضه جنبلاط في جريدة «الأنباء»، يتمحور حول تعزيز دور الدولة والحفاظ على المشروع الذي مات من أجله وسام الحسن، ومن قبله اللواء فرنسوا الحاج والمقدم وسام عيد. وكرر جنبلاط ما قاله من قبله رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من أن المستهدف من وراء تلك الجريمة البشعة، ليس طائفة معينة أو شخصاً معيناً، بل الدولة بكامل أجهزتها الأمنية. رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أعلن رفضه لنصائح جنبلاط وسفراء الدول الخمس، معتبراً أن الحكومة الحالية هي نتاج المحور السوري - الإيراني، وأنها تعمل لتحقيق مصالحه ونفوذه على حساب مصالح لبنان وشعبه وأمنه. لذلك دعا إلى رحيل الحكومة في أسرع وقت، على أن تخلفها حكومة تسير بموضوع الانتخابات. وقد أيد الحريري في هذا الطرح الرئيس فؤاد السنيورة، معلناً ترحيبه بتشكيل حكومة إنقاذ تحمي اللبنانيين، وتعبر بالمواطنين إلى مرحلة أكثر سلامة واستقراراً. ويبدو أن رئيس الجمهورية حاول استكشاف مختلف الخيارات المطروحة بهدف امتصاص الأزمة، ولكنه اصطدم بحواجز العجز مثله مثل وليد جنبلاط. والسبب مرده إلى الخوف من السقوط في لجة الفراغ الحكومي، وعدم القدرة على تشكيل حكومة إنقاذ وطني، أو حكومة تكنوقراط يدعمها «حزب الله» والرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون. وهذا ما أشار إليه السفراء الخمسة الذين أعربوا عن ضرورة تمسك الدولة بالرئيس نجيب ميقاتي، لأن البديل مرفوض من قبل جماعة 8 آذار، لا فرق أكان فؤاد السنيورة أم سعد الحريري. ولما أعلنت واشنطن عن عدم تمسكها ببقاء ميقاتي، اشترطت ألا تقع الدولة اللبنانية في الفراغ السياسي. وكانت بهذا التحذير المبطن تفترض أن هيئة الحوار لن تتوصل إلى حسم موضوع قانون الانتخاب قبل ثمانية أشهر تفصل المواطنين عن موعد الانتخابات. لهذا يتوقع سفراء الدول الكبرى في لبنان، تأجيل موعد الانتخابات وتمديد ولاية مجلس النواب. في حين يرى عدد من النواب أن ولاية رئيس الجمهورية، المنتهية بعد سنة ونصف السنة تقريباً، قد تمدد لأسباب تتعلق بمستقبل النظام السوري وما تتركه عملية التغيير من مضاعفات سلبية على لبنان وتركيا والعراق وإيران والأردن. في معرض الإشادة بإنجازات اللواء وسام الحسن، على مستوى الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، اعترف له كبار قادة أجهزة الاستخبارات، بأنه من أكفأ النماذج التي عرفها لبنان. ويعزو زملاؤه هذا التميز إلى عوامل البيئة الاجتماعية التي صهرته وصنعت منه الضابط الذي كان. ذلك أن البلدة التي ولد فيها تعتبر من أكثر المواقع اللبنانية سخاء بالكفاءات والموظفين الناجحين. ويتبين من سجلات الدولة أن آل الحسن شغلوا أجهزة الأمن والقضاء مدة طويلة من الزمن. ومن الأسماء التي علقت بالذاكرة: عارف باشا الحسن وخالد الحسن ومدير قوى الأمن الداخلي اللواء سعيد الحسن والعميد إسماعيل الحسن واللواء فتحي الحسن (ثكنة الحلو) ورامي الحسن، ومدير مخابرات الشمال عامر الحسن، وأمين عام وزارة الخارجية السفير ظافر الحسن. وحول سيرة البطل عبدالقادر الجزائري، تبين أن عارف باشا الحسن، كتب له مؤيداً ثورته، ووضع تحت تصرفه نخبة من مقاتلي عشيرته. ويرجع تاريخ بلدة «بتوراتيج» إلى سنة 663 م، عندما اضطر معاوية إلى إنشاء مواقع قرب طرابلس وجبيل لحماية الشواطئ من خطر الغزاة. وكلمة «بتوراتيج» معناها باللغة السريانية «جب الأسود». ومع أن أهل هذه البلدة هم من المسلمين السنّة، إلا أن وجودهم في وسط الكورة ذات الغالبية الأرثوذكسية، لم يمنعهم من نسج أفضل العلاقات مع محيطهم، سياسياً واجتماعياً وأمنياً. ويعترف جيرانهم بأن ولاءهم للدولة اللبنانية لا يضاهيه ولاء أي فئة أخرى. ولم يكن اللواء وسام الحسن أكثر من شاهد على سلوك بلدة يتألف سكانها من أسرة واحدة... أسرة آل الحسن التي أعطت الدولة - على امتداد مئات السنوات - موظفين اشتهروا بالكفاءة والولاء للوطن والسلوك الحسن. لهذا أكرمهم معاوية، واختارت منهم الإمبراطورية العثمانية متصرفين ومحافظين، ومنحتهم أرفع ألقاب الشرف والتكريم. يجمع المراقبون على القول إن عملية اغتيال اللواء وسام الحسن، أعادت عقارب الساعة في لبنان إلى أزمة مماثلة حدثت في منتصف نيسان (أبريل) الماضي. ففي ذلك الحين تعرض الدكتور سمير جعجع لمحاولة اغتيال. كما تعرض مصور محطة «الجديد» علي شعبان للاغتيال أيضاً. وقد واجهت حكومة نجيب ميقاتي أزمة أخرى تتعلق بمنع تسليم «داتا» الاتصالات إلى الأجهزة الأمنية بقرار من الهيئة القضائية المستقلة المعنية بهذا الإجراء. واستغل هذا الوضع عدد من جماعة 14 آذار ليحمل على ميقاتي، ويثير في وجهه بعض القضايا الملحة مثل تهاونه عن منع الانتهاكات السورية للحدود في الشمال والبقاع الشمالي. كذلك استغل البعض تلك الأزمة ليشن حملة على سياسة «النأي بالنفس» التي وصفت بأنها واجهة زائفة لارتباط الحكومة بسورية. في ذلك الوقت، توقع الكثيرون أن يعلن نجيب ميقاتي استقالته، مع التحفظ بأن يربط قرار العودة عنها بإشاعة مناخ أكثر إيجابية لتنشيط هيئة الحوار. وقيل في حينه إن الرئيس ميشال سليمان أقنعه بأهمية العدول عن تلك الخطوة بسبب تنامي الأزمة السورية وتداخلها المتواصل مع الانقسام السياسي في لبنان. وقد حذّر الرئيس سليمان من خطورة الفراغ الحكومي الذي يعطل سلطة القرار، ويحوّل الوزارة إلى مخفر لتصريف الأعمال. مرة ثانية، تكرر المعارضة الشعارات التي رفعتها في نيسان الماضي، مطالبة باستقالة نجيب ميقاتي وأعضاء وزارته، حتى لو دخل لبنان في أزمة فراغ يستفيد منها «حزب الله» وحلفاء دمشق. ويرى المراقبون في الأممالمتحدة، أن النظام السوري سيضطر في المرحلة المقبلة - بعد هدنة عيد الأضحى المبارك - إلى توزيع حرائقه على لبنان وتركيا والأردن، بهدف فك الحصار المحكم على قادته. ومعنى هذا أن اغتيال اللواء الحسن، لم يكن أكثر من مقدمة لارتكاب سلسلة عمليات مماثلة قد تساعد على إحراق لبنان بنار النزاع الطائفي. وفي ضوء تنامي هذه المخاوف تشهد المصارف اللبنانية والمصارف الأجنبية في لبنان، عمليات نقل الودائع إلى الخارج بطريقة غير مسبوقة. وهذا ما حذر من نتائجه الوزير السابق عدنان القصار. ويعترف الأميركيون بأنهم تدخلوا مراراً مع الأتراك بهدف منعهم من الرد على القصف المتعمد، خوفاً من اندلاع حرب تركية - سورية تجذب إلى أتونها إيران والعراق وسائر الدول المتاخمة. ويبدو أن هذا الخيار سيظل قائماً في المرحلة المقبلة لأن توسيع رقعة الحرب هو الضمانة الوحيدة لوقف الحرب الأهلية في سورية! * كاتب وصحافي لبناني