يصلي روحين ملا واضعاً المصحف على ركبتيه، في المخيم الذي أقيم لآلاف المسلمين الذين شردهم العنف الطائفي الدموي في بورما. لكن قصة ملا، وهو راهب بوذي سابق، ليست عادية. فقد ولد روحين ملا على الديانة البوذية، لكنه وقع في غرام فتاة مسلمة من أقلية الروهينغيا التي ينبذها المجتمع البورمي بشكل كبير، فاعتنق الإسلام ليتمكن من الارتباط بها. ومنذ اعتناقه الإسلام، قاطعه جيرانه السابقون وخسر منزله، ويعيش حالياً في مخيم للمشردين في ولاية راخين الغربية التي تعاني من أعمال عنف طائفية بين البوذيين والمسلمين منذ حزيران (يونيو) الماضي. وقال ملا: «البوذيون الراخين يكرهونني منذ أن اعتنقت الإسلام». ولم يعد ملا (37 عاماً) الذي كان اسمه الأصلي كياو تون أونغ، على اتصال بوالديه منذ زواجه من الفتاة المسلمة قبل عشر سنوات. وأضاف: «على مدى ثلاثة أيام ظلت والدتي تسألني لماذا سأتحول إلى الإسلام، وقلت لها إنني لا أحب البوذية، ولا أعتقد بأنها الدين الصحيح». أما زوجته أمينة (30 عاماً) فقالت إنه على رغم عدم تقبل المجتمع لزواجهما، إلا أن حياتهما معاً «سعيدة للغاية». وأضافت: «لكن منذ اندلاع أعمال العنف، أصبحت حياتنا صعبة». وكان عامل البناء ملا، يعيش مع زوجته وأولاده الثلاثة في راينغويسو، وهي منطقة للمسلمين في مدينة سيتوي عاصمة ولاية راخين، حتى اندلاع أعمال العنف في حزيران الماضي. وقال إن منزله كان من أوائل المنازل التي أضرمت فيها النار. ولم يشفع للملا أنه كان بوذياً من الراخين، أمضى أربع سنوات من عمره راهباً قبل أن يتحول إلى الإسلام. ويقول: «تذكرني الرهبان من أيام الدير، وهاجموا عائلتي ودمروا كل شيء في منزلي». وتحكي أمينة كيف أنها لم تلتقِ بوالدي زوجها. وتقول: «لم أقابلهما مطلقاً»، مضيفة أن زوجها «مسلم صالح». ويعتبر وضع هذين الزوجين حالة شاذة في ولاية راخين التي يعيش فيها نحو 800 شخص من أقلية الروهينغيا. ويوضح زعيم الحزب الوطني الديموقراطي للتنمية آبو تاهاي الذي يدعو إلى منع الروهينغيا من حقوقهم أن عدد الزيجات المختلطة بين البوذيين والمسلمين «لا يتجاوز ال100». ويضيف: «بعض الناس يلتقون ويقعون في الغرام في المدرسة أو خلال العمل»، ولكن لا توجد الكثير من الفرص للتعارف بين أبناء الطائفتين. وقال الأمين العام لحزب تطوير جنسيات الراخين أوهلا سو إنه يعرف امرأة مسلمة واحدة تحولت إلى البوذية لتتزوج من أحد أعضاء الراخين، ولكن «بشكل عام فإن سكان الراخين لا يقبلون بالزواجات المختلطة». وتقول الأممالمتحدة إن الروهينغيا هم واحدة من أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم. وتعاني هذه الأقلية من التفرقة والقيود المفروضة على تحركاتها وقلة حصولها على الخدمات العامة. وتعتبر الحكومة أبناء أقلية الروهينغيا البالغ عددهم حوالى 800 ألف نسمة مهاجرين غير شرعيين وليسوا مواطنين. وهم يتحدثون لهجة مماثلة لسكان بنغلاديش. وقتل عشرات في اشتباكات بين الجانبين في حزيران الماضي، بينما شرد الآلاف، ما دفع جماعات حقوق الإنسان إلى التحذير من أزمة إنسانية. ويلقى ملا الآن مصير أكثر من 50 ألف شخص معظمهم من الروهينغيا يعيشون في مخيمات بائسة في الولاية، بعدما أجبروا على الفرار، إثر إحراق قرى بأكملها في أعمال العنف في حزيران الماضي، ولا يستطيعون العودة إلى منزلهم. ولأكثر من أربعة أشهر تعيش العائلة مع نحو ألف آخرين في مخيم دابانغ على مشارف العاصمة. ولا تتعدى مساحة خيمتهم المهلهلة المثبتة إلى جذع شجرة نخيل وتحمل شعار «المملكة العربية السعودية، مملكة الإنسانية» بضعة أمتار. وقد غرست في الطين مع هطول الأمطار الموسمية التي تشكل صعوبة لهذه العائلة التي تحاول رعاية أطفالها، وبينهم طفل لا يتجاوز عمره ستة أشهر. ولا يبدو أن هناك ضوءاً في نهاية النفق، إذ إن القتال عمَّق العداوات بين الطائفتين وتزايدت الدعوات بين البوذيين لإخراج الروهينغيا من الولاية. إلا أن ملا وزوجته غير نادمين على زواجهما. حتى إنهما يأملان أن يتمكنا في يوم من العودة إلى الحياة التي عاشاها من قبل، والمساعدة على المصالحة بين الطائفتين.