في «مسجد أبو عمر» الصغير في عزبة «جزيرة السلام» التابعة لمركز العياط (جنوبالقاهرة)، جهر شيخ قبل أكثر من شهر بعد أن أنهى خطبة الجمعة بالدعاء على الجيش والشرطة وسط همهمات المصلين. وفي زاوية أخرى، في القرية النائية ذاتها، اعتاد شيخ آخر الحديث في أمور سياسية بلغت حد الدعوة إلى عدم المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية والدستورية التي أجريت في الأشهر الماضية. الشيخ الأول يُدعى علي محمد كمال، وهو الآن موقوف على ذمة تهم بينها «التحريض»، أما الثاني الذي تتحفظ «الحياة» عن نشر اسمه، فهو في حال فرار. وروى رجل من القرية ل «الحياة» كيف أن «فتنة» كادت تُفرق أهلها بسبب غضب غالبيتهم من دعاء أئمة علناً على الجيش والشرطة في المساجد. وأوضح الرجل الذي فضل عدم ذكر اسمه كي لا تتضرر علاقاته العائلية في القرية، أن الأمر بلغ ذروته في شهر رمضان. وقال: «كان الشيوخ يدعون على الجيش والشرطة جهراً في مكبرات الصوت. مسجد أبو عمر بجوار منزلي لكن لم أكن أرغب في الصلاة فيه بسبب هذا السلوك». وأوضح أن «الإخوان كانوا يتحركون في القرية بحرية حتى وقت قريب، ويرتبون للمسيرات الدورية التي ينظمونها، للتظاهر في مركز العياط، ووصل الأمر إلى اللقاء في المساجد لترتيب تلك الأمور». وتعد المساجد، خصوصاً في المناطق النائية البعيدة عن الرقابة الشديدة للسلطات المركزية، من أهم منابع تجنيد أنصار لجماعة «الإخوان». واتخذت السلطات خطوات متلاحقة للسيطرة على منابر المساجد، عبر قصر الخطابة فيها على أئمة الأزهر ووزارة الأوقاف من حاملي تصاريح الخطابة، ليس من خلال قرار وزاري أو منشور إداري، ولكن من خلال قانون سنّه الرئيس السابق عدلي منصور، يجرم ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد لغير المعينين من وزارة الأوقاف والوعاظ في الأزهر. ومنح القانون مفتشين من وزارة الأوقاف يحددهم وزير العدل بالاتفاق مع وزير الأوقاف صفة «مأموري الضبط القضائي» التي تتيح لهم ملاحقة المخالفين لهذا القانون قضائياً، بعدما أقر عقوبات تصل إلى الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنة وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألفاً (الدولار يعادل نحو 7 جنيهات) أو بإحدى العقوبتين. وفي مصر 110 آلاف مسجد منها نحو 82 ألف جامع تقول وزارة الأوقاف إنها أحكمت السيطرة عليها جميعاً. وقال ل «الحياة» وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد محمد عبدالرازق إن «بعض الخروقات سُجلت في الشهور الماضية، لكن تمت السيطرة عليها تماماً». وأوضح أن الوزارة «تنشر خطبة موحدة للجمعة وتوزعها على مختلف المديريات، ويتابع المفتشون الالتزام بها في المدن والقرى، ومن يحيد عن الخطبة يتم اتخاذ إجراءات قانونية ضده... من يخرج عن الخطبة أو يهاجم الدولة من الخطباء يتم وقفه عن العمل ويُحال على التحقيق، وقد يصل الأمر إلى حرمانه من الخطابة تماماً. أما الإجراءات الأمنية والقضائية، فتتخذها السلطات المعنية بها، لو كان في الأمر جُرم». وأشار إلى أن «الأمور باتت مطمئنة تماماً بعد السيطرة على كل مساجد مصر». وفي عزبة «جزيرة السلام» ثمانية مساجد، تُقام صلاة الجمعة في 5 منها، ويخطب فيها جميعاً أئمة من الأوقاف. وقال أحد أهالي القرية إن الشيوخ الذين ظلوا لسنوات يعتلون المنابر مُنعوا قبل أسابيع من الخطابة، ومنهم واحد موقوف وآخر فار. لكن أنصار «الإخوان» ينشطون أيضاً في أوساط العمال خصوصاً في الريف. وقال طلعت فريد (50 سنة) من مركز العياط، وهو عامل في شركة «الكوك»، إن لأنصار الجماعة «نفوذاً» في أوساط العمال في الشركة المملوكة للدولة. وأشار إلى أن إدارة الشركة كانت قررت قبل أسابيع عدم صرف بعض المستحقات المالية، ما مثّل فرصة لأنصار الجماعة لتقليب العمال على الدولة، والحكم الجديد. وأضاف: «يتحدث أنصار (الرئيس السابق محمد) مرسي بحرية بين العمال في السياسة، وكل كلامهم سلبي. ينشرون حديثهم بين العمال بحرية، وبعضهم يتجاوب معهم، ويتحول من تأييد (الرئيس عبدالفتاح) السيسي إلى معارضته، ويستغلون بالأساس الأوضاع المعيشية الصعبة».