بدأت الحكومة المصرية تنفيذ رؤية الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي الذي أسهب في أول خطاب له للأمة بعد تنصيبه في الحديث عن ضرورة «تجديد الخطاب الديني»، ما يعكس الأهمية التي يوليها السيسي لتلك المسألة في مواجهة الفكر المتطرف الذي تستند إليه الجماعات المُسلحة في تجنيد أنصارها. وقال السيسي في خطابه: «إننا في حاجة إلى استقاء العلم من أهله، وليس من كل مدّعٍ أراد اكتساب سلطة من خلال التستر وراء الدين»، متطلعاً إلى دور للأزهر في هذا الصدد. وكان الرئيس السابق عدلي منصور مهد الطريق لإحكام السلطات سيطرتها على المنابر بقانون سنّه قبل مغادرة القصر بأيام، يُجرم ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد لغير المُعينين من وزارة الأوقاف والوعاظ بالأزهر. ومنح القانون مفتشين من وزارة الأوقاف يحددهم وزير العدل بالاتفاق مع وزير الأوقاف «صفة مأموري الضبط القضائي»، التي تتيح لهم ملاحقة المخالفين لهذا القانون قضائياً، بعدما أقر عقوبات تصل إلى الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه (الدولار يعادل حوالى 7 جنيهات) ولا تجاوز خمسين ألفاً أو بإحدى العقوبتين. وحذرت وزارة الأوقاف أمس كل من لا يحملون تصاريح خطابة، خصوصاً من الرموز السياسية الحزبية، في إشارة واضحة إلى قيادات «الدعوة السلفية» وذراعها السياسية «حزب النور»، من «محاولة اختبار صلابة الوزارة». وأكدت في بيان أنها ستعلن ضوابط التقدم للحصول على تصاريح الخطابة، وأنه لا تسامح مع من يحاول المساس بهيبة الدولة أو يتجاوز القانون. وأوضحت أن القانون الجديد سينفّذ اعتباراً من بعد غد، وأن قرار ضم المساجد الصادر قبل أشهر، سيسري على كل مساجد الجمهورية بلا استثناء. وقال وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة الشيخ محمد عز الدين ل «الحياة» إن وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة سيجتمع اليوم من مديري المناطق من أجل إبلاغهم بضوابط تنفيذ القانون الجديد وآلياته. وأوضح عز الدين أن عدد المساجد في مصر يصل إلى حوالى 110 آلاف مسجد، ستُضم جميعاً إلى وزارة الأوقاف، لافتاً إلى أن هناك خطة لرفع كل لافتات الجمعيات المختلفة من على أبواب المساجد ووضع لافتة وزارة الأوقاف فقط. وفي مصر حوالى 50 ألف زاوية، عبارة عن مساجد صغيرة مُخصصة للصلوات اليومية عدا صلاة الجمعة، وهي في الغالب تتبع جمعيات سلفية أو أهلية. وتُشرف جمعيات إسلامية، وأكبرها «الجمعية الشرعية» و «أنصار السنّة» وأيضاً «الدعوة السلفية»، على آلاف المساجد والزوايا، وإن كانت تتبع وزارة الأوقاف، لكنها في الحقيقة لا تملك أي سيطرة عليها، فعمال هذه المساجد وخطباؤها، يُعينون من قبل تلك الجمعيات، وإن عينت الوزارة خطيباً فقد لا يتمكن أصلاً من اعتلاء المنبر، وتكتفي الوزارة عادة برقابة ما يتحدث به الخطباء من على منابر تلك المساجد. ويتحايل بعض الجمعيات على قرار ضم المساجد إلى وزارة الأوقاف، بترك بعض الأعمال الإنشائية في مساجد تستقبل المُصلين مُعلقة، حتى لا يكتمل بناء المسجد، ويُضم إلى الوزارة. وقال الشيخ محمد عز الدين إن تلك المساجد سيتم السيطرة عليها خطوة خطوة، وحتى الزوايا ستُضم إلى وزارة الأوقاف، ولن يسمح بإقامة صلاة الجمعة فيها. وأوضح أن «كل مفتش منطقة في الأوقاف يتبعه من 30 إلى 70 مسجداً، وهو يعرف أئمتها جميعاً، وسيبدأ المفتشون من يوم الجمعة المقبل المرور على المساجد في نطاق دوائرهم، وإن وجدوا خطيباً غير مصرح له بالخطابة، فسيحررون محضراً له، وسيحال على السلطات المختصة، ولكن لن نُنزل أي خطيب من على المنبر بالقوة». وأوضح الأمين العام لحزب «النور» السلفي جلال مرة ل «الحياة» أن «الدعوة السلفية» تتواصل مع كل الجهات الرسمية في الدولة لترتيب الوضع الجديد. وقال: «من حق المؤسسات أن تنظم العمل لكن في الوقت نفسه يجب أن يكون ذلك من خلال التفاوض والتشاور في المسألة، حتى لا يحدث فراغ في مجال الدعوة بالنسبة إلى ما استقرت عليه منذ سنوات... يجب التفاهم حول تلك الأمور حتى نصل إلى حل». وأوضح أن «الدعوة السلفية مثلاً يتبعها 30 ألف مسجد وزاوية، والأمر مستقر على اعتلاء خطباء منا منابرها منذ سنوات طويلة»، مضيفاً: «نعلم أن السلطة التنفيذية تبحث عن المصلحة، من أجل القضاء على الترويج للأفكار الهدامة، ولا نمانع في ذلك، لكن الأمر يجب أن يتم من خلال التفاوض مع الدولة لحل المشاكل، ولا نريد تعقيد الأمور. نقبل فلسفة الدولة في إصلاح منظومة الدعوة وتجديد الخطاب الديني، ونطالب بهذا الأمر منذ سنوات، ونريد المساعدة في هذا الأمر، فمثلاً يمكن منح الخطباء الثقات منا تصاريح خطابة، ونمارس عملنا تحت مظلة الدولة».