تواصلت أمس المعارك العنيفة حول مدينة بني وليد على بعد 140 كلم جنوب شرقي طرابلس، في ظل نزوح كبير للعائلات من المنطقة التي تقول الحكومة الليبية إنها تؤوي مطلوبين فارين من فلول نظام العقيد الراحل معمر القذافي. وتأتي المعارك وسط تحرك شعبي من أعضاء قبيلة الورفلة لدفع الحكومة الليبية إلى وقف الهجوم على بني وليد حقناً للدماء. وذكرت وكالة الأنباء الليبية أن بني وليد شهدت أمس «نزوحاً كبيراً للعائلات التي تمكنت من الخروج رغم رفض المجموعات المسلحة الخارجة عن الشرعية» لخروجها و«إجبار» المواطنين على البقاء في المدينة التي تتعرض لحصار منذ أسابيع. ونقلت الوكالة عن مصدر على خطوط المواجهة شرق بني وليد «أن قوات الجيش الوطني استقبلت النازحين ووفرت لهم الاحتياجات اللازمة وساعدتهم بتأمين الطريق لهم ما دفع أكثرهم للاتصال بمن بقي في بني وليد وحضهم على الخروج منها». وأكدت الوكالة نقلاً عن المصدر نفسه «أن قوات الجيش الوطني ستبدأ في دخول المدينة بعد التأكد من خلوها من الأطفال والنساء حرصاً على سلامتهم» كي يتاح للجنود بعد ذلك التعامل بالقوة اللازمة مع المسلحين المتحصنين في داخلها. ومعلوم أن مسلحي بني وليد يقولون إن السلطات الليبية تبث إشاعات لخلخلة صفوف المدافعين عن المدينة، وأنهم تمكنوا حتى الآن من صد هجمات شنتها القوات الحكومية لاقتحامها من محاور عدة. وبث ناشطون في المدينة أشرطة فيديو على شبكة الإنترنت ظهر فيها جرحى مدنيون وآليات محترقة تابعة لقوات «درع ليبيا» التي تشارك في الهجوم وتتبع وزارة الدفاع الليبية. ويقول مقاتلو بني وليد إن معظم المهاجمين هم في الحقيقة من الثوار السابقين الذين جاؤوا من مدينة مصراتة. وأثارت الثورة التي أطاحت معمر القذافي العام الماضي موجة عداء بين مدينتي بني وليد ومصراتة، إذ وقفت الأولى إلى جانب نظام القذافي بينما ناصبته الثانية العداء وثارت ضده فحاصرتها قواته على مدى شهور ودمّرت قسماً كبيراً منها. وتأجج العداء بين مصراتة وبني وليد في الأسابيع الماضية بسبب مقتل عمران شعبان المعارض للقذافي بعد شهرين من الاحتجاز في بني وليد. وكان شعبان وهو من مصراتة الرجل الذي عثر على القذافي مختبئاً في أنبوب للصرف في سرت في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2011. واقتحم زهاء 500 شخص مجمع المؤتمر الوطني العام في طرابلس الأحد مطالبين بوقف الهجوم على بني وليد الذي أوقع حتى أول من أمس ما لا يقل عن 22 قتيلاً و200 جريح. ونقلت «رويترز» عن محتج يدعى نصر الدين: «جئنا لمطالبة الحكومة بإيجاد حل سلمي للحرب القبلية المستعرة في بني وليد». وشق المحتجون غير المسلحين من الرجال والنساء طريقهم متجاوزين حراس الأمن عند بوابات مجمع المؤتمر الوطني في طرابلس وهم يهتفون قائلين «لا إله إلا الله (محمد) المقريف عدو الله» في إشارة إلى رئيس المؤتمر الوطني. وأطلقت قوات الأمن الرصاص في الهواء لتفريقهم. وتعرّض مقر قناة «ليبيا الحرة» الفضائية في حي الحدائق بمدينة بنغازي ليلة الأحد لهجوم من قبل متظاهرين أسفر عن تدمير وتخريب محتويات المقر من أثاث وأجهزة ومعدات. وقالت مصادر القناة لوكالة الأنباء الليبية إن المهاجمين كانوا يحملون أسلحة بيضاء وقاموا بتدمير وتخريب المقر بالكامل بمحتوياته كافة، كما قاموا بضرب عدد من العاملين الذين حاولوا وقف الهجوم. وقال شهود إن المهاجمين اتهموا القناة بعدم المهنية والموضوعية في تغطيتها لأحداث بني وليد. وطالب المحتجون بأن تبث القناة أدلة مصوّرة على أن خميس نجل معمر القذافي قُتل في المعركة الدائرة للسيطرة عليها. وكان مسؤولون ليبيون قد أعلنوا انه قتل في القتال في بني وليد ولكن لم يتم تأكيد ذلك. لكن المتظاهرين قالوا إنهم شعروا بغضب بسبب ما اعتبروها إشاعة كاذبة عن وجود خميس في بني وليد وقالوا إنها ساعدت في إشعال العنف والعداء القبلي. وكان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا طارق متري أثنى أول من أمس على جهود المؤتمر الوطني العام ورئيسه محمد المقريف وممثلي المجتمع المدني ولجان المصالحة لمنع نشوب القتال في بني وليد. لكنه أعرب في بيان نشرته بعثة الأممالمتحدة عن قلقه بخصوص التطورات العسكرية الحالية في المدينة والتقارير الواردة عن الأعداد المتزايدة للضحايا المدنيين جراء «القصف العشوائي». وحض الأطراف المعنية على احترام المبادئ الإنسانية الدولية، والتزام ضمان حماية المدنيين، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتفادي استهداف المناطق المدنية، والسماح بإجلاء الجرحى، وتمكين إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق، بما في ذلك توفير الغذاء والرعاية الطبية. وفي الإطار ذاته، أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن أحداث مدينة بني وليد تدل على أن الحكومة الليبية لا تزال تواجه صعوبات في فرض سيطرتها على بعض المناطق، وأعربت عن قلقها إزاء انعدام النتائج الملموسة في عملية إنشاء جيش قادر على العمل في ليبيا. كما عبّرت موسكو عن قلقها من شحن الأجواء ضد بني وليد. وقالت الوزارة إن معلومات واردة كشفت عن مقتل عشرات الأشخاص في المواجهات الدائرة للسيطرة على بني وليد. وكان رئيس المؤتمر الوطني العام محمد المقريف برر العملية العسكرية ضد بني وليد بأن المدينة غدت ملجأ لأعداد كبيرة من «الخارجين عن القانون والمعادين للثورة». على صعيد آخر، ذكرت وكالة أنباء التضامن أمس أن مجهولين ألقوا الأحد قنبلة يدوية على مركز «الإخوان المسلمين» في مدينة المرج بشرق ليبيا. وأشارت إلى تحطيم زجاج المبنى وإلحاق الضرر بالمبنى المجاور له.