«اعتقالي لأكثر من 30 يوماً، لم يزدني إلا قناعة بعدالة مطالبنا في مجتمع آمن تسوده الحرية والمساواة (...)»، هكذا لخص الشاب الأردني فادي مسامرة، الناشط في الحراك الشبابي وذو التوجهات اليسارية، مشاعره خلف قضبان السجن، بعد اتهامه ب «تقويض حكم النظام». لكن مسامرة، المعتقل إلى جانب 20 آخرين من شباب الحراكات المختلفة وفق التهمة ذاتها، لم يعلم أن ما تحدث به عبر بيان مكتوب سيكون له الأثر الكبير في تحريك الشارع، والإعلان عن حركات افتراضية جديدة على الشبكة العنكبوتية تطالب بالإفراج عنه مع بقية المعتقلين. وكان مسامرة التقط إشارات «الربيع العربي» مبكراً، وفق رفاقه في التظاهرات التي يشهدها الأردن منذ كانون الثاني (يناير) 2011، فأسرع إلى التواصل مع هؤلاء بهدف توحيدهم، معلنين أكبر تجمع شبابي، للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية ومحاربة للفساد. عبدالله محادين شاب آخر (مستقل) يقبع خلف قضبان السجون الأردنية، فقد حولته احتجاجات المملكة منذ نحو عامين إلى نجم «إصلاحي» ذائع الصيت. وقبل اعتقاله بأيام، قال محادين لملحق «شباب»، إن «تجاهل السلطات دعوات الإصلاح الشامل ومحاربة الفساد، يزيد من حال الغليان الشعبي». ومحادين الشاب العشريني فقد وظيفته مبكراً بسبب نشاطه الزائد، كما قرر لاحقاً الانفصال عن عائلته الميسورة، لتجنيبها حرج المداهمات الليلية مع كل حملة اعتقال يتعرض لها ورفاقه، كما يقول. ويبدو أن الثورات العربية غيرت مسار الشاب العشريني، وجعلته أكثر وعياً وإدراكاً لما يجري من حوله. كما يقول رفاقه في الميدان. قصة اعتقال مسامرة ومحادين وبقية الشبان ال20، بدأت قبل نحو شهر من الآن عندما صعّدوا من حراكهم ضد قرار الحكومة الأردنية السابقة رفع الدعم عن المحروقات. في ذلك الوقت، خرج هؤلاء مرددين شعارات «ساخنة» رأت السلطات أنها تخالف القانون. وكان هؤلاء الشبان دفعوا كلفة باهظة لحراكهم في وقت مبكر، غداة اصطدامهم مع رجال الأمن في أحداث 24 آذار (مارس) قبل نحو عامين، عندما اعتصموا على «دوار الداخلية»، ونتج من ذلك وفاة أحد المحتجين وإصابة العشرات. وسرعان ما تحولت قصة هؤلاء إلى قضية رأي عام على المستويين المحلي والدولي، خصوصاً بعد أن أعلن بعضهم إضراباً مفتوحاً عن الطعام قبل أيام، ما دفع نشطاء الحراكات المختلفة إلى إعلان سلسلة فعاليات مطالبة بإطلاق سراحهم. كما سارعت منظمة «العفو» الدولية إلى المطالبة بسرعة الإفراج عنهم. وذهبت المنظمة الدولية إلى حد القول إن «توجيهات العاهل الأردني للحكومة الجديدة باحترام حرية التعبير تتناقض مع الإجراءات العقابية ضد المتظاهرين السلميين». وكان الملك عبدالله الثاني قال قبل أيام إن «عدداً من أبناء الوطن، ومن ضمنهم الحراكات على أنواعها، يعبرون عن رأيهم من خلال المسيرات وأشكال التظاهر الأخرى اليوم بطريقة سلمية وحضارية وبأسلوب نموذجي هادف، ما ساعدنا على تسريع وتيرة الإصلاح». لكن العاهل الأردني تحدث عن «حراكات (لم يسمها) يستغلها بعض الدخلاء لخطف الشارع الأردني وتنفيذ أجندات خاصة». كما حضت المنظمة الأميركية للدفاع عن حقوق الإنسان «هيومن رايتس ووتش» الأردن على إطلاق سراح الشبان الناشطين، منتقدة «تشديد الحكومة موقفها تجاه مطالب الإصلاح» في المملكة. لكن السلطات الأردنية سارعت إلى تحميل المعتقلين مسؤولية اعتقالهم وتحويلهم إلى القضاء. وقال المتحدث باسم الحكومة الوزير سميح المعايطة ل «الحياة»، إن «الشبان المعتقلين تجاوزوا جميع الأعراف والتقاليد، عبر الإساءة لرموز البلاد». وأضاف: «لم نعتقل أحداً طيلة الأشهر الماضية، لكن عندما يساء لرموز البلد وينتهك القانون يتغير كل شيء». في المقابل، سارع المعتقلون هم أيضاً إلى اتهام الجهات الرسمية بانتهاك القانون، مدعين إخضاعهم إلى تعذيب جسدي ونفسي، ومتحدثين عما اعتبروه تطوراً في أساليب الاعتداء عليهم، من خلال التهديد بالقتل، ووضعهم داخل زنازين انفرادية، وإجبارهم على تناول أدوية خاصة بمرض الصرع. المحامي طاهر نصار وكيل المعتقلين، أكد لملحق «شباب»، تعرض المحتجزين ل «الضرب والتعذيب، إلى جانب دمجهم مع السجناء الجنائيين». وتحدث نصار عن «إجبار السجناء الشباب على تناول الحبوب المستخدمة في علاج الصرع». ومثل هذه الاتهامات غير الموثقة من قبل محامي الحراكات الشبابية والتي أكدت مديرية الأمن العام الأردنية عدم صحتها، زادت من أوار الغضب لدى المتعاطفين مع قضية المعتقلين، فأعلنوا عن اعتصامات شبه يومية داخل خيمة دشنها كتاب وصحافيون، للمطالبة بتعزيز الحريات العامة عبر قوانين ناظمة. كما دشنوا سلسلة صفحات إلكترونية تطالب بإنهاء «معاناة» السجناء. وفي الخيمة التي نصبت بالقرب من أحد الميادين الشهيرة في العاصمة عمان، رفع هؤلاء لافتات ضخمة تطالب بالإفراج عن المعتقلين. وعلقت في زوايا الخيمة صور الشبان ال20 مكبلي الأيدي ومكممي الأفواه، وذلك بعد اتهامهم من جهة محكمة «أمن الدولة» العسكرية ب «التحريض على مناهضة نظام الحكم» و «إثارة النعرات الطائفية» و «التجمهر غير المشروع».