أحال مجلس الوزراء اللبناني في جلسة استثنائية عقدها برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان في بعبدا وحضرها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قضية تفجير اللواء وسام الحسن على المجلس العدلي وطلب مساعدة الهيئات والأجهزة الخارجية والدولية للكشف عن الجريمة، معلناً أن هناك «رابطاً بين اغتياله واكتشاف مخطط الوزير السابق ميشال سماحة». وكشف انه كان تقدم باستقالة حكومته، إلا انه علقها نزولاً عند طلب رئيس الجمهورية. وافتتح سليمان الجلسة بدعوة المجلس إلى الوقوف دقيقة صمت حداداً على الضحايا. وقال: «الانفجار يستهدف أصلاً اللواء الحسن، لكنه موجه ضد لبنان والدولة عبر ضرب رئيس جهاز امني فاعل ونشيط استطاع كشف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية وأوقف المتورطين فيها وكشف أعمال إرهابية ومنها جريمة عين علق، اضافة إلى كشف شبكات أخرى، وأهمها الحادثة الأخيرة المتعلقة بضبط المتفجرات التي كان ينقلها سماحة من سورية». وأضاف: «هذه الأعمال مجتمعة أو إحداها كانت السبب في اغتيال هذا الرجل. ولكن الأذى والعقاب هو للدولة اللبنانية لهز صدقيتها وتعطيل قدرتها على التحقيقات. وهناك مواضيع قيد التحقيق ومنها جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلى ذلك من جرائم استهدفت شخصيات لبنانية سياسية وعسكرية معروفة، ومحاولات الاغتيال وآخرها محاولة اغتيال سمير جعجع وبطرس حرب». ورأى أن هذا العمل مقصود منه «تعطيل القدرة على جلب المعلومات والاستعلام والتحقيق، واستهداف الوحدة الوطنية في لبنان. فعلى رغم تصاعد اللهجة الخطابية وأحياناً الاتهامات المتبادلة وهذا الضجيج، الحال مستتبة في لبنان الذي لا يزال يمثل نموذج العيش المشترك بين الطوائف»، لافتاً إلى أن «من غير المستبعد في هذه الظروف أن يكون المقصود زلزلة الاتفاق اللبناني»، ومؤكداً أن الرد الطبيعي هو «متابعة كشف الجرائم المرتكبة في لبنان ومحاولات الاغتيال التي حصلت أخيراً ومساهمة الجميع بتقديم الأدلة والمتهمين أو الشهود المطلوبين من الأجهزة ومن القضاء للمثول أمام التحقيق، وهذه مسؤولية على اللبنانيين المساهمة فيها كما على الدولة والأجهزة الأمنية والقضاء عدم الخضوع للإرهاب. فالوطن غال وعزيز ويستحق أن نغامر ونتحدى من اجله». وأضاف: «أما بالنسبة للمتفجرات التي ضبطت أخيراً، فيجب العمل بسرعة من قبل القضاء للسير بالتحقيقات وكشف الحقيقة مهما كانت، يجب عدم التردد في قول الحقيقة لأنها تفيد الجميع، أي الفاعل والمستهدف، لذلك على القضاء المبادرة إلى كشف الحقيقة لأنه إذا كان هناك جهاز وحيد يعمل والأجهزة الأخرى متغيبة وإذا كان السياسيون والقضاء يتهربون من دعم الأمن فإن الأمن يتعرى والعكس صحيح. يجب أن يكون هناك لبنة متراصة ما بين السياسة أي الحكومة والأمن والقضاء، ومن دون ذلك لا احد يستطيع أن يتحمل العبء وحده». ورأى أن «هذه الجريمة يجب ألا توقف مسيرة السلام والاستقرار التي اتفقنا عليها بالحوار وعبر «إعلان بعبدا» الذي توافقنا عليه جميعاً إن كان في هيئة الحوار أو في الحكومة وتبنته الدول كلها والمنظمات الدولية. وأنا سأباشر منذ اليوم في إعادة التشاور مع الأعضاء في هيئة الحوار لعقد الجلسة المقبلة في اسرع وقت ممكن». وإذ دعا سليمان «الجميع إلى التهدئة واعتماد لغة العقل وتسمية الأمور بأسمائها»، قال: «على المسؤول ألا يخجل من تسمية الخطأ». ورأى أن المعالجة للموضوع الراهن هي مسؤولية الجميع خصوصاً وزارة العدل. وطلب من وزير الدفاع التواصل مع القضاء العسكري «لتبيان مآل الأمور في قضية سماحة». وقال: «على وزيري الداخلية والدفاع طرح المتطلبات الواجبة لاتخاذ القرارات اللازمة بشأنها. وستقوم الحكومة بدورها لناحية التعويض». وبعد انتهاء الجلسة عقد ميقاتي مؤتمراً صحافياً قال فيه: «اللواء وسام الحسن لم يكن استشهاده سوى نتيجة طبيعية لسياق حصل في الفترة الأخيرة. لا أريد هنا استباق التحقيق، ولكن لا يمكن أن نفصل جريمة الأمس عن السياق الذي كشف سلسلة التفجيرات التي كان يخطط لها في الفترة الماضية. اتخذنا سلسلة من القرارات منها إحالة قضية التفجير واغتيال الشهيد اللواء وسام الحسن على المجلس العدلي والتعاون مع مختلف الأجهزة والهيئات والسلطات الخارجية والدولية التي من شأنها أن تساهم في المساعدة على كشف المجرمين لتقديمهم للمحاكمة ونيل عقابهم. كذلك الطلب من وزارة الاتصالات أن تسلم كل داتا الاتصالات إلى السلطات القضائية والأمنية فوراً ومنذ تاريخ توقفها في 19 أيلول (سبتمبر). وبناء لاقتراح وزير الداخلية كلفناه أن يقدم اقتراحاً بتعزيز هيكلية قوى الأمن الداخلي من بينها تحويل جهاز المعلومات من فرع إلى شعبة». وتوجه إلى المواطنين قائلاً: «نحن في لحظات صعبة جداً، والله وحده يعرف الشعور الذي ينتابني في هذه اللحظات الصعبة، لأن المصاب جلل، وأنا قلت قبل ثلاثة أشهر إنني غير متمسك بهذه الحكومة ولا بالمنصب، وفي إحدى المقابلات الصحافية قبل 4 اشهر طالبت بتشكيل حكومة يكون طابعها حكومة توافق وطني، ويجب تأليف هذه الحكومة. ومع شعوري بكل لحظة أن أهلي وطائفتي يشعرون انهم المستهدفون، أقول أنا بغنى عن هذا المنصب من اجل أهلي». وأضاف: «نقلت إلى رئيس الجمهورية كل الهواجس التي أمر بها بخاصة تأكيدي عدم التمسك بالمنصب وأن من الضروري النظر بتشكيل حكومة جديدة، وبنتيجة البحث معي قال فخامته انه يجب النظر إلى المواضيع الوطنية وعدم إدخال لبنان في الفراغ وعدم الذهاب نحو المجهول، فلنترو وننتظر الأوضاع لنستطيع التكلم بها، وكان جوابي أن القضايا الوطنية مهمة جداً وأساسية ولكن التاريخ علمني، أن ما من سياسي فضّل الأمور الوطنية على الأمور الشخصية إلا وكلفته، إما النفي إلى الخارج أو العزل في الداخل، وإما الاغتيال كما حصل بالأمس مع اللواء وسام الحسن». وقال: «نعم بقي لبنان، وقدري أن اكون في هذا الوقت بالذات الصعب جداً، ونحن ندرك تماماً خطورة الوضع، وأمام إصراري على عدم التمسك بمنصب رئاسة الوزارة طلب مني فخامة الرئيس فترة زمنية معينة ليتشاور مع أركان هيئة الحوار الوطني. استطيع القول إني علقت اتخاذ أي قرار إلى حين استلامي رد رئيس الجمهورية على التصور الذي من الممكن أن اقدم عليه». ووجه نداء إلى جميع اللبنانيين والسياسيين من اجل «التكاتف في هذه الظروف الصعبة، الحكومة تذهب وتأتي وستستقيل عاجلاً أو آجلاً، لكن الأساس بقاء الوطن. لنضع الاعتبارات السياسية جانباً لفترة معينة ولنتمسك بوحدتنا لأن هذا التماسك يسهل عدم إدخال لبنان في الفراغ أو أخذه إلى المجهول وعندها يكون تشكيل حكومة جديدة سهلاً جداً. لنمد ايدينا باتجاه بعضنا بعضاً مع تناسي أي خلافات، فالأهم من الحكومة هو حفظ الوطن وصونه». وعن دعوة الحكومة للاستقالة فوراً أجاب: «لم تبق أي حكومة إلى الأبد، لكن الرئيس طلب فترة زمنية معينة كي يناقش هذا الموضوع مع أركان طاولة الحوار. لكن معيب ما قيل عن تحميلي شخصياً دم الشهيد وسام الحسن الذي افتقدته على الصعيد الشخصي والوطني، لأنه كان رجلاً مؤسساتياً، وقام بأعمال كبيرة جداً خلال الفترة الماضية. وكنت على اطلاع دائم على أعماله، وكانت تصلني تقاريره المهنية، ولم أشعر يوماً انه كان تابعاً لفريق سياسي. وما بقائي في جلسة مجلس الوزراء إلى هذه اللحظة سوى للتأكيد أن التحقيق سيأخذ مجراه وسيكون هناك تعاون مع الأجهزة والسلطات والهيئات الدولية والخارجية كي نصل إلى الحقيقة، كذلك كنت مصراً منذ تسلمت رئاسة الحكومة على التمسك بهذه الرموز كلها، وقد حميتها ولم أقبل أن يقترب منها احد، اضافة إلى التمسك بالمحكمة الدولية ومعرفة الحقيقة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. أنا آسف للكلام الذي يقال لأن من يعرف نجيب ميقاتي يعلم أن يديه غير ملوثتين بأي نقطة دم». وعن إمكانية الاستقالة بعد التشاور مع أقطاب الحوار وتأليف حكومة، وعن عدم إمكانية فصل الجريمة عن قضية المتفجرات الأخيرة، أي قضية سماحة بجرائم كان يحضر لها كما يقال من قبل النظام السوري أجاب: «حول إمكانية تأليف أو عدم تأليف حكومة يجب في هذا الوقت اتخاذ موقف وطني، ونتائجه. أنا منذ هذه اللحظة اتخذت الموقف الوطني وفي ضوء المشاورات استطيع أن اعلن موقفي النهائي. ليس من شأني التشاور في موضوع حكومة إنقاذ وطني، الرئيس سيبحث الموضوع مع أركان طاولة الحوار. أما في الموضوع الثاني فلا أريد استباق التحقيق ولكن السياق الطبيعي للأحداث منذ اكتشاف المتفجرات قبل حوالى شهرين إلى جريمة الأمس يدل على رابط بين الأمرين، لذلك من الطبيعي أن أربط بين الأمرين». متمسك بما قاله ل «الحياة» وعن الاختيار بين الموافقة على الاستقالة أو فلتان البلد أجاب: «أنا لا أزال اكثر من أي وقت آخر متمسكاً بالتصريح الذي أدليت به في أواخر تموز (يوليو) إلى جريدة «الحياة» بعدم التمسك بهذه الحكومة والدعوة إلى تشكيل حكومة وفاقية في لبنان نتفق عليها جميعاً، من اجل المصلحة اللبنانية. فلنتفق ونشكل حكومة جديدة، وكائناً من يكون رئيس الحكومة المقبل، سنقدم كل الدعم له. تغلبت في الماضي وفي كل الأوقات على الاعتبارات الشخصية لمصلحة وطني، لكننا اليوم في ظرف دقيق جداً، لأن فريقاً من اللبنانيين ودعوني أقول بصراحة طائفتي بالذات، لديها شعور بأنها مستهدفة، وأنا لن أرضى بذلك».وقال: «ندائي إلى الجميع أن نكون يداً واحدة لأننا جميعاً في مهب العاصفة والوضع خطير ويقتضي تضامننا. أنا أعرف مقدار الخسارة التي أصبنا بها ولكن في الوقت ذاته علينا أن نحافظ على الوطن ووحدة الأرض والشعب». وعن عدم إدانة للنظام السوري أجاب: «لا يمكن لمجلس الوزراء أن يتخذ مواقف قبل انتهاء التحقيق، وأنا لا استبق التحقيق ولكن قلت إنه لا يمكن الفصل بأي شكل من الأشكال في الجريمة التي حصلت بالأمس وبين كشف المؤامرة التفجيرية التي كانت تحضر للبنان خلال الشهرين الفائتين». وأضاف: «نحن في أزمة كبرى وعلي النظر في كيفية الخروج منها. هناك اغتيال أساسي حصل في البلد. قبولي اليوم بإعطاء مهلة للمشاورات انطلق من إدراكي وخوفي من جر لبنان إلى فتنة قوية، وإن شاء الله يتوصل الرئيس في مشاوراته إلى نتائج جيدة، إذا استطعنا الجلوس جميعاً إلى طاولة الحوار». وقال: «لم نتحدث اليوم في موضوع المطلوبين من قبل المحكمة الدولية ولكننا نقوم بواجبنا كاملاً بما يقتضيه الواجب وتطبيق القوانين». وعن لقاءات الإثنين والثلثاء في السراي الكبيرة أجاب: «فخامة الرئيس هو الذي يتولى الاتصالات في شأن طاولة الحوار، وأنا لن أداوم في السراي».