حققت يد الإجرام ضربة كبيرة متعددة الأهداف في لبنان أمس، فأسقطت أحد أركان الأمن اللبناني رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد وسام الحسن الذي قضى وسائقه بانفجار سيارة مفخخة استهدفته فقتل على الفور، حين كان ماراً في شارع سكني متفرع من ساحة ساسين في منطقة الأشرفية في قلب بيروت. وخلّف الانفجار، الذي وقع قرابة الساعة 2.45 بعد الظهر، في وضح النهار، بين 5 و8 شهداء وزهاء 110 جرحى، في الشارع الضيق الذي تحوّل الى خراب كامل، فيما باتت الأبنية، في معظمها، غير صالحة للسكن، فضلاً عن أن شظايا الزجاج والحديد تطايرت الى مسافة يبلغ شعاعها زهاء 300 متر. وأعاد المشهد المروّع لعملية نقل المصابين والجثث وللأضرار الهائلة التي حلّت بمكان الانفجار الى الأذهان الأيام السود التي شهدها لبنان في مراحل عدة من الحروب التي مر بها والاغتيالات التي تعرضت لها زعامات وشخصيات قيادية فيه، خصوصاً بعد العام 2005، فوُصف الانفجار بأنه أحد أكبر ما استهدف الأمن اللبناني. وإذ شكل اغتيال العميد الحسن ضربة كبيرة ل «قوى 14 آذار» ولرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، كما عبّر عن ذلك بعض أركانها، ونكسة للجهاز الأمني الذي عمل طوال الفترة الماضية على كشف خيوط ومعطيات تتعلق ببعض الاغتيالات السابقة ولا سيما اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005، فإن الطريقة التي تمت فيها العملية هدفت كما يبدو، الى ترويع اللبنانيين، باستهداف المدنيين بالطريقة العشوائية التي حصلت، وبدم بارد. وكانت الأوساط الرسمية والسياسية في لبنان تتحدث منذ سنوات عن أن العميد الحسن دخل مرحلة الخطر، إن بسبب معلومات عن تهديدات وصلته أو بسبب كشفه مجموعة من الجرائم بعد الانسحاب السوري من لبنان، خصوصاً أنه أكثر القادة الأمنيين الذين لمع نجمهم في لبنان، نظراً الى دوره في تطوير أداء فرع المعلومات وتزويده بأحدث الوسائل التقنية في مكافحة الجريمة، وفي كشفه العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية، وصولاً الى توقيف الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة نقل متفجرات ضمن مخطط لإحداث تفجيرات بالاشتراك مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك. وكان العميد الحسن تبوأ رئاسة فرع المعلومات بعد أشهر من اغتيال الحريري، الذي كان الحسن مديراً لمكتبه وأحد أقرب المقربين اليه. وكان مصير الحسن بقي مجهولاً لأكثر من ساعتين بعد وقوع الانفجار، إذ إن هواتفه ظلّت مقفلة حين اتصل به مسؤولون وإعلاميون وأصدقاء لسؤاله معلوماته عن تفاصيله، أو للاطمئنان، لأن المعلومات الأولية عن الانفجار أفادت أنه وقع قريباً من مستشفى أوتيل ديو المقابل لمقر قيادة قوى الأمن الداخلي حيث مكتبه ومكتب المدير العام لقوى الأمن اللواء أشرف ريفي، وأدت الشكوك حول مصيره الى التدقيق بأشلاء جثتين نقلتا من مسرح الجريمة الى المستشفى المذكور، فجرى الكشف عليهما والتأكد من أنهما تعودان الى رئيس فرع المعلومات وسائقه، اللذين كانا في سيارة «تويوتا» من طراز «كامبري». وتبين أن سيارة الحسن كانت مموهة ولم تكن مصفحة، وقالت معلومات أولية إن السيارة المفخخة التي استهدفته هي من نوع «هوندا – سي أر في» فجرت بالتحكم من بعد. وكان الحسن عاد الثالثة فجر أمس الى بيروت بعد زيارة لألمانيا حيث عقد اجتماعات أمنية مع أجهزة ألمانية، بمشاركة اللواء ريفي، ثم عرج على باريس حيث التقى عائلته التي تعيش هناك. ويشار الى أنه لا ينام عادة في مكان محدد ويمضي معظم وقته في مكتبه في مقر قوى الأمن. وإذ يعدّ اغتيال الحسن هزة أمنية وسياسية كبيرة، هو الذي كان يرد اسمه في التحذيرات من اغتيال شخصيات لبنانية، فإن انعكاسات العملية بدأت تظهر على الأرض منذ مساء أمس بعيد الإعلان عن وفاته زهاء السادسة، فقطع مواطنون محتجون ومناصرون ل «تيار المستقبل» الطرق في تقاطع الكولا والبربير بالعاصمة، وكذلك في منطقة سعدنايل وغيرها في البقاع حيث أشعلت إطارات الكوتشوك، كذلك في شارع المئتين في طرابلس وسمعت طلقات نارية بين جبل محسن وباب التبانة. وأقفلت طرق أيضاً في صيدا وفي منطقة الناعمة على أتوستراد الجنوب. وعلى الصعيد السياسي، اتهم عدد من رموز قوى 14 آذار النظام السوري بأنه يقف وراء الجريمة، فيما كان وزير الإعلام السوري عمران الزعبي من أوائل الذين دانوها، وفي حين دعا خصومهم في قوى 8 آذار الى «عدم الاستثمار السياسي لها». وفيما ترأس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اجتماعاً لمجلس الأمن المركزي في مكتب اللواء ريفي بعد الظهر، اعتبر رئيس الجمهورية ميشال سليمان ان «عودة أسلوب القتل والتدمير تطاول أولاً المواطنين الأبرياء». ودعا الى «العمل بقوة لمنع أن يكون اللبنانيون ضحايا على مذبح مصالح الآخرين». واتفق مع ميقاتي على عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء صباح اليوم. وتشاور رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء مع الرئيس ميقاتي في الأوضاع، وقدم له التعازي باستشهاد العميد الحسن. كما اتصل بري بالرئيس الحريري واللواء ريفي معزياً اياه. وقدم قائد الجيش العماد جان قهوجي التعازي «من كل قلبي، الى قوى الأمن واللواء ريفي ولأهالي الأشرفية». وتحدث عن «الصداقة التي تربطني مع العميد الحسن» معتبراً الشهيد «خسارة لكل لبنان والعسكر، وهو نذر حياته من أجل لبنان ما يستدعي تمسك اللبنانيين بوحدتهم والا يحقق المجرمون مخططاتهم. هذه الجريمة لا نريدها ان تضرب وحدة اللبنانيين وتؤدي الى شرذمة الوطن. رحمه الله، وسنبذل أقصى الجهود للوصول الى المجرمين». وعقدت قيادات قوى 14 آذار اجتماعاً استثنائياً لها في منزل الرئيس سعد الحريري الموجود في الرياض. واتهم الحريري وبشكل مباشر «بشار حافظ الأسد» باغتيال الحسن. وعزّى «كل اللبنانيين باسم عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري و تيار المستقبل وكل الأحرار في لبنان بأخي وصديقي ورفيق دربي العميد الشهيد وسام الحسن»، مؤكداً أنه «منذ لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عمل ليلاً ونهاراً لكشف حقيقة الاغتيالات والتفجيرات التي استهدفت لبنان». وقال: «كان صمام أمان كبيراً وشكل للبنانيين الطمأنينة بعدما كشف الكثير والكثير من الشبكات الإجرامية، وسجل الكثير من الانجازات وآخرها كشف مخطط نظام بشار الأسد بتفجيرات واغتيالات في لبنان عبر ميشال سماحة وعبر علي المملوك وغيرهم، وبالتالي من اغتال وسام الحسن مكشوف». كما اتهم رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط في تصريحات صحافية الرئيس الأسد باغتيال الحسن وقال: «الأسد أحرق سورية ويريد أن يحرق المحيط... إنه انتقام مباشر لعملية فاشلة عندما استخدموا العميل ميشال سماحة». وقال: «الأسد ينتقم من الصديق الصدوق لرفيق الحريري ومن جميع الأحرار والأشراف في لبنان والذي كان يحمينا، وسام كان حامينا. وكما اجتمعنا في 14 آذار وراء نعش رفيق الحريري فلنجتمع اليوم وراء وسام الحسن ويجب أن يكون جوابنا جواباً سياسياً منعاً لمآرب بشار في الفتنة لأنه لا يبالي بلبنان ولا بغير لبنان». ورأى ان «استشهاد وسام خسارة ضخمة لا تعوض، لكن هناك رجالاً وستستمر المسيرة الأمنية والسياسية، ولتكن المواجهة سياسية، وهذه وصية رفيق الحريري وسنبقى عليها». ونفى «أن يكونوا باغتياله قد كسروا ظهر الأمن في لبنان، صحيح الضربة قاسية جداً، ولكننا كما استعدنا انفاسنا بعد اغتيال وسام عيد، سنستمر». وقال جنبلاط: «رسالتي هي وان كنت اليوم تركت ولو موقتاً 14 آذار، لكن فوق 14 و8 آذار إيانا ان ندخل باتهامات في الداخل. علينا ان نتهم الخصم الأساسي، أي النظام الأساسي الذي أدخل الاغتيال السياسي الى لبنان منذ كمال جنبلاط الى رفيق الحريري الى الحسن اليوم. فليكن الاتهام الى النظام المجرم الأساسي، ولنحافظ على أمن البلد ونتفادى فتنة». وقال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «ان وسام الحسن قتل لأنه أوقف ميشال سماحة، ولأنه أيضاً من بين المسؤولين الأمنيين القلائل الذين لا يهابون شيئاً، وكانوا يلاحقون الأمور الى الآخر»، وأكد ان ما حصل «ضربة أمنية قوية للدولة وللشعب اللبناني كله وللحكومة الحالية التي إذا بقي بعد عندها من حس بالسيادة والوطنية وفي حفظ الأمن في البلد عليها ان ترى ماذا تفعل». وقال: إذا بقي لنا كقوى 14 آذار، قافلة الشهداء طويلة وهذه لن تزيدنا الا تصميماً ومناعة. وأقول لهم فليفعلوا ما يريدون وما من ظالم إلا سيبلى بأظلم، وبدأ يبلى أكثر فأكثر، والمستقبل لنا». وأضاف: «وسام الحسن لم يكن مسؤولاً أمنياً فقط يقوم بواجباته على أفضل ما يكون بل كان صديقاً وحصلت لقاءات عدة بيننا وعملنا معاً لنرى ماذا سنفعل في البلد. استشهد وسام وكلنا سنكمل سوياً»، مقدماً تعازيه الى عائلته «التي نقلها الى باريس لأنه كان يعرف أنه مستهدف هو وعائلته». وقال رداً على سؤال: «لو لم يحصل غطاء بشكل من الأشكال لما كان في امكان أي فريق أن يغتاله. ولو لم توجد اختراقات على مستويات كبيرة في الدولة لما كان يمكن ان يتوصلوا الى ان يفعلوا ما فعلوا». ورأى أنه «استقالت الحكومة أم لم تستقل فلا تفيدنا شيئاً، لبنان يحتاج الى نظام جديد وطقم جديد يستلم الدولة ويوقفها على رجليها». وتابع: «سقط شهداء كثر من الرئيس رفيق الحريري الى جبران التويني وبيار الجميل ووسام عيد واستمرت المسيرة. ليس تقليلاً من قيمة وسام الحسن لكن علينا ان نستمر وسنستمر. وليفعلوا ما يشاؤون. وسام كان ينبهنا جميعاً لكننا مؤمنون بمشروعنا السياسي حتى اخر لحظة». ودعا الشعب اللبناني الى «معرفة أين الشر في البلد»، لافتاً الى «اننا أصبحنا في عز مسلسل الاغتيالات». وعما إذا كان النظام السوري ما زال قادراً على الاغتيالات في ظل مشاكله: قال «النظام السوري وأصدقاؤه في الداخل والخارج»، سائلاً: «هل العدو الإسرائيلي هو أو المخابرات الأميركية من قتل وسام الحسن؟». وأكد الرئيس أمين الجميل ان «الحسن خسارة لكل لبنان وكل الناس تعرف جهوده بالأمن والاستقرار». وقال: «ما حصل يعنينا مباشرة وسيكون لنا موقف واضح في الوقت المناسب». وقال: «نعرف تماماً كم شبكة تجسس اكتشف، وكم محاولة اغتيال، وكذلك الأمر مع محاولات ميشال سماحة، اضافة الى اكتشاف خيوط مهمة من اغتيال الرئيس الحريري وغيره من قيادات. وهذا الموضوع لن نسكت عنه». وعبر «حزب الله» عن «ادانته الشديدة للجريمة النكراء التي استهدفت العميد وسام الحسن ما أدى الى استشهاده مع عدد من المواطنين اللبنانيين وجرح العشرات فضلاً عن الأضرار الجسيمة في الأبنية والممتلكات». ورأى الحزب في «الجريمة البشعة محاولة آثمة لاستهداف الاستقرار وضرب الوحدة الوطنية. ويدعو الأجهزة الأمنية والقضائية الى استنفار أقصى الجهود والطاقات لوضع اليد على الجريمة وكشف الفاعلين وتقديمهم للعدالة». ودان رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون بقوة الانفجار، داعياً اللبنانيين الى «التروي والحكمة وبرودة الأعصاب لأن لا شك ان هذه الجريمة تستهدف استقرار لبنان واللبنانيين». ونبه رداً على قطع الطرق، ان «العنف مضر وحسي، لكل اللبنانيين». وقال انها «جريمة منظمة»، معرباً عن اعتقاده بأنه «يجب أن يكون هذا الحادث عارضاً وليس له ذيول». ولقيت الجريمة ردود فعل خارجية، فدان الفاتيكان على لسان الناطق باسمه الأب فريدريكو لومباردي «أشد الإدانة لأنه عنف دموي عبثي»، معتبراً ان «الاعتداء يتعارض مع الجهود والالتزامات بالحفاظ على تعايش سلمي في لبنان». وفي باريس، دان الرئيس فرانسوا هولاند «بشدة وببالغ الحزم العملية الاجرامية التي ادت الى سقوط 8 قتلى و 78 جريحا، واغتيال العميد وسام الحسن»، واصفا اياه بانه «شخصية وفية لبلدها ولاستقراره واستقلاله... ان غيابه يمثل خسارة كبرى». وقال هولاند انه وجه رسالة تضامن الى الرئيس اللبناني، معربا عن تضامن فرنسا مع الشعب والسلطات اللبنانية وعائلات الضحايا واقاربهم. وفي واشنطن، قال ناطق باسم الخارجية الأميركية ل"الحياة" أن واشنطن تدين “وبأشد العبارة العمل الارهابي الظاهر"، وترسل تعازيها لعائلات الضحايا. واعتبر أنه “ليس هناك أي مبرر لهذا العنف ونحن نفهم أن الحكومة اللبنانية ستجري تحقيقا ولاستحضار المسؤولين (عن الاعتداء) أمام العدالة". وأكد وقوف الولاياتالمتحدة “مع الشعب اللبناني وتجديد الالتزام باستقرار وسيادة واستقلال لبنان". وفي لندن، اعتبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الجريمة «ازدراء للحياة البشرية» وقال: «عمل شنيع وأفكاري مع عائلات وأصدقاء الذين فقدوا حياتهم وكذلك مع المصابين». وأكد التزام بلاده «تماماً بدعم الحكومة اللبنانية في جهودها الرامية الى بناء لبنان أكثر استقراراً وأمناً». وفي نيويورك، وزعت فرنسا مشروع بيان على اعضاء مجلس الامن «يدين بشدة الاعتداء الارهابي» في بيروت والذي ادى الى مقتل ثمانية بينهم العميد وسام الحسن. واعرب مشروع البيان عن «التعاطف والتعازي العميقة» لاسر الضحايا، مكررا «ان الارهاب بكل اشكاله يشكل اكثر الاخطار تهديدا لليلان والامن الدوليين. كما يكرر «التصميم على مكافحة الارهاب بكل اشكاله، وفق مسؤولياته بحسب ميثاق الاممالمتحدة». ودعا الى «جلب المنفذين والمنظمين والممولين والراعين لهذه الجريمة امام العدالة»، معربا عن «التصميم لدعم الحكومة اللبنانية والتزاماتها في هذا الصدد»، وداعيا الى انهاء حالة الافلات من العقاب في لبنان. الحسن في صورة من الارشيف. (رويترز) موقع التفجير. (ا ف ب)