رفض رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أمس الدخول في سجال حول موضوع شهود الزور، مكتفياً بالقول: «هذا الملف إن كان سيحال على القضاء فلماذا نستَبِق النتائج ونقول من الآن انه سيطاول رؤوساً أو غير ذلك؟ إن كان أحدهم يملك نتائج مسبقة عن هذا الملف، فهذا يعني أننا لا نعطي القضاء فرصة لكي يأخذ مجراه». وجدّد الحريري، في حديث مع قناة «روسيا اليوم» التلفزيونية، عشية زيارته الرسمية الى موسكو، القول: «نحن مع محاكمة هؤلاء، ويجب أن يعلم الجميع أن أحد المتهمين مثلاً، ميشال جرجورة، موجود حالياً في السجن لمحاكمته على شهادة زور، وحتى محمد زهير الصديق، فإن مذكرة توقيف صدرت في حقه بأنه شارك في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حتى حسام حسام الموجود في سورية، وهناك شخص رابع، يمكن القضاء اللبناني محاكمتهما على الشهادة التي أدليا بها. لذلك نرى أن علينا عدم استباق الأحكام، ولنترك القضاء أن يأخذ مجراه». واذ لم يعتبر ان الحكومة تعيش «حال إرباك بالنسبة الى هذه القضية»، اوضح «اننا اتفقنا جميعاً على أن هذا الملف مهم ويجب بحثه على طاولة مجلس الوزراء، لكن هناك خلافاً حول الجهة التي يجب أن يُحال عليها. هناك مواقف سياسية واضحة، بعضهم يريد أن يحال هذا الملف على المجلس العدلي، فيما نحن نقول ان القضاء العادي هو المسؤول عن هذا الملف. جرى نقاش في هذا الإطار على طاولة مجلس الوزراء، نأمل في أن يُستكمل حتى إيجاد الحل الذي يرضي الجميع». للحوار لا للاحتقان وزاد الحريري: «منذ البداية جميعنا تحت سقف واحد، وهو سقف حكومة الوحدة الوطنية، ومن الخطأ أن يعتبر بعضهم نفسه موجوداً في الحكومة وفي الوقت نفسه موجوداً في المعارضة، هذا غير مقبول حدوثه. وهناك بالتأكيد مواقف تتوجس من المحكمة الدولية، لكني قلت في السابق انه لا يمكن لأحد أن يتحدث عن هذا الموضوع في ظل خطاب سياسي مرتفع في البلد. لذلك لا بد من الهدوء وإجراء الحوار، ويجب أن يهدأ الناس ويتعقلوا، فالاحتقان لا يوصل إلى نتيجة والمواقف المسبقة كذلك». وعما اذا كان سيعمد الى الاستقالة اذا ارتفعت ضغوط قوى «8 آذار» عليه، قال: «سبق أن تعرضت لضغوط كبيرة، ولكني أظن أن هذه الضغوط لا تطاولني، بل هي على الآخرين، لذلك أعتبر أنه جرى انتخابي من قبل الشعب اللبناني ووصلت إلى ما أنا عليه اليوم لأن هناك أكثرية نيابية نجحت وسمّتني لرئاسة الحكومة. صحيح أني حصلت على ثقة مجلس النواب بسبب تشكيلي حكومة وحدة وطنية، إلا أن الأكثرية النيابية هي التي رشحتني لرئاسة الوزراء، لذلك نحن موجودون، وسنكمل هذا المشوار». وعن اتهام مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان بأنه يقف وراء تصلبه السياسي، اكد الحريري ان موقفه ليس متصلباً، «بدليل إني أطلب الهدوء وأدعو إلى الحوار، فأين التصلب السياسي؟ أنا أؤمن بأننا شكلنا هذه الحكومة على أسس تقوم على بيان وزاري، ونريد استكمال تطبيق هذا البيان الوزاري». واشار الى عدم انعقاد طاولة الحوار، وسأل: «ما معنى تغيُّب بعضهم عن هذه الطاولة؟ هل هم يرون أن الحوار لا يوصل إلى مكان؟ هل بات لا بد من سبب كبير جدا لكي يتحدث اللبناني مع اللبناني الآخر؟ هل القوى السياسية يجب ألا تلتقي؟ إنه أمر مؤسف، وعدم الذهاب إلى طاولة الحوار هو طعنة للبنان ككل ولرئاسة الجمهورية، فما الذي نقوله للبنانيين؟ نقول اننا غير قادرين على التحدث بعضنا مع بعض؟ هذا أمر معيب ومؤسف». لم نخرب البلد بانتظار القرار الاتهامي وعما اذا كان التصعيد سببه التخوف من القرار الاتهامي، قال: «أياً كانت المخاطر ومهما كانت الصعوبات والمشاكل في لبنان، فإن الطريق الوحيد لحل كل المشاكل هو أن يسود الهدوء في البلد ونتمكن من الالتقاء في ما بيننا، قد لا نتمكن من التلاقي في الحوار في كل المفاصل، ولكن مجرد الهدوء والحوار البنّاء في ما يخص أي أمر في البلد، سواء المحكمة الدولية أم غيرها، فإن هذا يريح اللبنانيين. لماذا التشنج؟ سواء صدر القرار الاتهامي أم لم يصدر. نحن خلال الخمس سنوات الأخيرة لم نتوتر ولم نخرب البلد بانتظار القرار الاتهامي أو المحكمة، في حين أن لدينا شهداء ولدينا دماء سالت. نحن المظلومون، نحن الذين اغتيلت قياداتنا وأصدقاؤنا وإخواننا وأولادنا ونوابنا، نحن الذين ظُلمنا في كل هذه المرحلة، هذا الأمر يجب أن يقدره الآخر، كما علينا نحن أن نقدر هواجس هذا الآخر». ولفت الى ان «المناصفة والشراكة ليستا مجرد توزيع حصص، كما قال الرئيس (ميشال) سليمان، بل هو أكد أن الشراكة نصَّ عليها الدستور، ولكن مع الشراكة هناك مسؤولية كبيرة جدا، فمن المهم أن يكون الشخص شريكاً ومسؤولاً في آن معاً. أنا لم أربح مقاعد في مجلس النواب من دون أن أكون مسؤولاً، بل ربحت هذه المقاعد لكي أكون مسؤولاً في هذا البلد، ولكي أتخذ القرارات المسؤولة، ولكي أتصرف بمسؤولية. أما الهجوم على الكرامات والتهديد والتهويل، فلا ينفع في لبنان، عشنا هذه الأجواء في السابق، هل تمكَّن أحد من محو الآخر؟ هل تمكن أحد من نفي شخص أو حزب آخر؟ هذا الأمر لم يصح في السابق ولن يصح الآن». نعم ما زلنا اكثرية وعن مصير الأكثرية النيابية وموقع النائب وليد جنبلاط، قال: «نحن على تفاهم مع النائب جنبلاط في معظم الأمور، والصديق وليد بك جنبلاط لديه مواقف سياسية آخرها ما يخص ما حصل في مجلس الوزراء. العلاقة بين وليد بك و»تيار المستقبل» تاريخية، بدأت مع الوالد وستُستكمل معي إن شاء الله. نعم، نحن ما زلنا أكثرية، لأننا جميعاً في حكومة وحدة وطنية، ولم يخرج أحد من حكومة الوحدة الوطنية هذه، لذلك أعتبر أنه طالما ما زال الجميع على طاولة مجلس الوزراء فإن لدي أكثرية نيابية». وعن موقف جنبلاط الجديد من المحكمة الدولية، قال: «لديه هواجس، وهناك العديد من اللبنانيين الذين لديهم هواجس، ولكن هل هذه الهواجس تُحَلّ بمنطق الاحتقان والتصعيد؟ لا أحد يمكنه أن يهددني لكي أقوم بما يريد، أنا لا أعمل بهذا المنطق، لا أنصاع للتهديد، ولكن بالحوار الهادئ والبنّاء ومن دون احتقان أنا مستعد لأن أتحاور. أما أن يضع أحدهم المسدس على رأسي، أو أن يقول لي ان هذه هي الطريقة التي يجب أن تعمل على أساسها، فهذا غير مقبول، ولبنان ليس كذلك. من يعملون في الحقل السياسي اليوم عليهم أن يعرفوا ما هو لبنان لكي يتمكنوا من إنجاز تفاهمات، لا بد من أن نعيش معاً على هذه الأرض، ومن هذا المنطلق لدى البعض هواجسه كما أنا لدي هواجس، أنا لدي أكثر من هاجس وكذلك حلفائي». وعما اذا كانت هواجسه من القرار الاتهامي، اجاب: «كلا، لدي هواجس بشأن السلاح المنتشر في كل البلد، لدي هواجس لوضع حد لهذه الظاهرة، ولدي هواجس لظاهرة تفشي المخدرات، وذلك لأن الدولة لا تتمكن من القيام بدورها. إن ما يحصل الآن هو إضعاف دور الدولة، وتفشي هذه الظواهر، سواء على صعيد السلاح أم المخدرات أم أمور أخرى. نحن علينا أن نركز من أجل بناء الدولة ومؤسساتها، وكما أعلنّا في البيان الوزاري، لا بد من تحقيق أولوية المواطن وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وهذا ما ركزنا عليه في ميزانية عام 2010، فلماذا لم تقر حتى الآن هذه الميزانية؟ جلسة تلي جلسة للجنة المال والموازنة البرلمانية، وهذا لا يجوز». ورأى الحريري انه «طالما هناك محكمة دولية فإن الاغتيال السياسي في لبنان لن يعود». ووصف العلاقة مع القيادة السورية بأنها «ممتازة والحمد لله، هناك تواصل دائم في ما بيننا، والوزراء اللبنانيون أيضا على تواصل أيضا مع نظرائهم السوريين، ونحن مستمرون على الطريق نفسه إن شاء الله، ونريد علاقة مميزة مع سورية لأنها تفيدنا سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً». وعن مصير مذكرات التوقيف السورية، أكتفى بالقول: «هناك قانون وقضاء لبنانيان، وأعتقد أن هناك اتفاقية قضائية بين الدولتين اللبنانية والسورية، وبحسب الإجراءات نعتبر أن هذه المذكرات صدرت بطريقة غير قانونية، ووزير العدل إبراهيم نجار يجهِّز رداً عليها». وشدد على الدور الروسي الكبير في تحريك العملية السلمية في الشرق الاوسط، معتبراً ان «ما تقوم به إسرائيل محاولة أخذ القضية وسرقة أراض بشكل يومي، فيما العالم يتفرج». وشكر موسكو على موقفها الثابت من المحكمة الدولية «لأن روسيا تريد العدل وهي منذ البداية لم ترفض هذا الأمر». وأمل في ان يزور ايران، من دون ان يحدد موعد الزيارة، وذكر بالمباحثات التي اجراها مع الرئيس محمود أحمدي نجاد في بيروت. وقال: «نتعاون مع إيران في أكثر من قطاع، منها الكهرباء، وأيضا سياسياً، هناك أمور نتفق عليها معهم، ونرى أنه يحق لأي دولة أن تكون لديها الطاقة النووية السلمية، ونأمل في أن تكون كل المنطقة خالية من الأسلحة النووية».