نفت الأكاديمية السعودية في جامعة الملك سعود فاطمة بنت محمد العتيبي تهماً وصفات ظلت تلاحق الشاعر العربي المعروف بمالئ الدنيا وشاغل الناس «المتنبي» قروناً طويلة كان من أبرزها الغرور، مبينة أن ذلك لم يكن سوى إدراك منه لما يمتلك من عبقرية شعرية، واعتزاز بشخصيته التي ارتقت بمبادئها الثابتة في زمن انهارت فيه المبادئ والقيم. جاء ذلك في دراسة لها لنيل درجة الماجستير، وطبعت في 440 صفحة عن مكتبة الرشد، تناولت فيها فن السيرة الذاتية في الشعر العربي القديم، متخذة من المتنبي نموذجاً لتلك الدراسة، إذ ناقشت الكثير من صفات الشاعر الجسدية والمعنوية والاجتماعية، نافضة الغبار عن الكثير منها، مستقرئة في ذلك ديوانه الشعري الذي كان واضحاً فيه عدم اهتمام الشاعر «المتنبي» بذكر صفاته الجسدية، بدليل خلوه من بيت واحد يذكر فيه صفة من صفات جسده لذات الذكر فقط، إلا أن الباحثة استطاعت استقراء بعض منها ذكره الشاعر عرضاً بما يخدم المعنى ويقويه. من أمثلة الرموز التي مرر فيها الشاعر صفاته الجسدية وكشفت الباحثة النقاب عنها، اتصاف المتنبي بنحول الجسد، وسواد الشعر ووفرته ونعومته، مثلما جاء في قوله: «شيب رأسي وذلتي ونحولي/ ودموعي على هواك شهودي». وقوله: «لا تحسن الوفرة حتى ترى/ منشورة الضفرين يوم القتال». وفي جانب حسن الوجه أشار إلى ذلك في بيته الذي أضاف فيه: «ولقد بكيت على الشباب ولمتي/ مسودة ولماء وجهي رونق». أما عن فكرة هذه الدراسة فتلخصت في إثبات وجود ملامح لفن السيرة الذاتية في الشعر العربي القديم، وتسليط الضوء على الأغراض والمعاني الشعرية التي تتوارى ذات الشاعر في ثناياها. ومن خلال هذه الدراسة تمت مناقشة فكرة صدق الشاعر وكذبه في التعبير عن تجاربه الذاتية، متخذة في ذلك منهجاً وسطاً بين الرأي القائل بأن الشعر إنما هو مرآة تعكس حياة الشاعر بكل ما فيها، والقائل بأن التجربة الشعرية شيء والتجربة الحقيقية شئ آخر. الأمر الذي دعا الباحثة إلى التنظير لعدد من القضايا المتعلقة بفن الشعر، ومن أبرزها الخيال، وقضية الصدق والكذب في التجربة الشعرية، والتجربة الشعرية في ضوء التحليل النفسي لمعرفة الدافع لها ومدى ارتباطها بالتجربة الواقعية، ومفهوم الذات والذاتية في الشعر، كل هذا تناولته الباحثة في الفصل الأول من فصول هذه الدراسة. وكشفت الدراسة عن الكيفية التي استطاع الشاعر من خلالها التعامل مع بعض الإشكالات التي يواجهها الكاتب عند رغبته في الحديث عن نفسه، وفي ذلك ما يؤكد صحة رأي الباحثة في أن فن الشعر يتيح للشاعر فرصة أكبر للتعبير عن ذاته بحرية وبطرق وأساليب عدة، وهو ما لا يتاح لكاتب السيرة الذاتية، وهذا ما يبرر انصراف الأدب العربي عن فن السيرة الذاتية إلى فن الشعر. كما أثبتت الدراسة أن فن السيرة الذاتية كان موجوداً بالفعل في الشعر العربي القديم، بدليل تغيّر الاهتمامات واختلاف اللغة والأسلوب من شاعر إلى آخر، مبينة أن الشعر العربي ذاته كان أهم أسباب انصراف الأدب عن هذا الفن، لأنه كان وسيلة العربي للتعبير عن ذاته وكل ما يتصل بها، متيحاً له فرصة أكبر للتعبير عن آرائه إزاء مختلف قضايا عصره بحرية أكبر، مستغلاً بذلك طبيعة الشعر وما تحتمله من صدق وكذب. ومع ذلك أكدت الباحثة أنه لا يمكن أن يعد الشعر المادة الكافية التي تكفل للشاعر حفظ سيرته من دون الرجوع إلى مصدر آخر، كما أنه لا يمكن استخلاص سيرة الشاعر الذاتية من شعره وحده من دون الرجوع إلى كتب التاريخ والتراجم، مع أخذ الحيطة في قبول أية رواية ومحاولة التوفيق بينها وبين النص الشعري.