كشفت «وثيقة الخطوط الحمراء» التي وضعتها مديرية منسق شؤون الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 2008 في شأن «كميات السعرات الحرارية» المتاحة لكل فلسطيني محاصَر في قطاع غزة التي من شأنها منع حدوث حال سوء تغذية في القطاع، فظاعة ممارسات الاحتلال وتخطيطه المبرمج لتجويع أهالي القطاع، لكن ليس إلى حد الموت. وتم الكشف عن الوثيقة في ختام صراع قضائي خاضته جمعية «غيشاه» (مسلك) الإسرائيلية منذ نحو أربع سنوات لإرغام المديرية المذكورة على الكشف عن «الوثيقة» المتعلقة بكميات استهلاك الغذاء في القطاع التي أقرتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لأهالي القطاع ونفذتها في الأعوام 2007-2010. ورفضت المحكمة العليا قبل أسبوعين طلب النيابة العامة عدم نشر الوثيقة، لخشيتها من فضح أمر ممارسات الاحتلال في شكل موثق. وجاء في بيان لوسائل الإعلام وزعته جمعية «غيشاه» أن الوثيقة تلخّص عملاً قام به «الجهاز الأمني» بمشاركة وزارة الصحة الإسرائيلية بهدف «تحديد النقطة التي تستوجب التدخّل لمنع حدوث حال سوء تغذية في القطاع». وتشمل الوثيقة جداول مفصلة للاستهلاك الغذائي في القطاع وفقاً لأنواع الغذاء والوزن والقيم الغذائية. وأضافت الجمعية أنه «تمّ إعداد الجداول على خلفية قرار المجلس الأمني الوزاري المصغر بتاريخ 19.9.2007 الذي طبق رسمياً قرار تشديد الإغلاق على قطاع غزة بعد سيطرة حركة حماس عليه في حزيران (يونيو) في العام نفسه». وبحسب القرار تم تعريف القطاع «منطقة معادية» وفرضت عليه «قيود مشددة في المجال المدني»، منها فرض القيود على إدخال البضائع إلى القطاع، بما في ذلك المواد الغذائية. ووفقاً للوثيقة، وجد معدّوها أنه يكفي إدخال 106 شاحنات إلى القطاع يوميًا (5 أيام عمل) لتزويد سكان القطاع «بالوجبة الإنسانية اليومية» التي تشمل المواد الغذائية الأساسية والأدوية والأجهزة الطبية ومنتجات نظافة صحية والمواد الزراعية، علماً أنه قبل قرار محاصرة القطاع كانت تدخله أكثر من 400 شاحنة يومياً. كما تم الكشف في وثائق أخرى عن قوائم تمنع إدخال بضائع مثل الحمص المتبّل، اللحوم الطازجة، الكسبرة والطحينة. ويتضح من الوثيقة أن الجهاز الأمني كان يعرف أن القيود التي فرضت على إدخال المواد الزراعية وبيض التفريخ ستلحق الضرر بالإنتاج المحلي للخضروات والدجاج المعد للطعام. وجاء في الوثيقة أن «كمية الخضروات المنتجة في القطاع آخذة في الانخفاض في ظل عدم توافر المدخولات الزراعية، وفي أعقاب انخفاض التوقعات في إمكان التسويق الزراعي إلى إسرائيل». وأكدت الجمعية أن الهدف المعلن لهذه السياسة كان «حرباً اقتصادية» تشل الاقتصاد في القطاع من أجل الضغط على سلطة «حماس»، كما أكدت وزارة الدفاع في مختلف المناسبات. وأشارت الجمعية إلى أن السياسة الإسرائيلية الخاصة بالجانب المدني تجاه القطاع تغيرت في أعقاب أحداث الأسطول التركي إلى غزة في أيار (مايو) 2010 إذ كفّت إسرائيل عن فرض قيود على إدخال المواد الغذائية إلى القطاع لكن مع ذلك لم يتغير موقف الجهاز الأمني القائل إن إسرائيل ملزمة الحد الأدنى من الواجبات تجاه سكان القطاع. وتابعت أن إسرائيل تعتمد حالياً «سياسة الفصل» تجاه القطاع، وفي إطارها تقيد حركة الناس وتنقلهم بين القطاع والضفة الغربية «للحالات الإنسانية الاستثنائية» وتمنع تسويق بضائع القطاع في الضفة وإسرائيل اللتين تشكلان 85 في المئة من سوق هذه البضائع. وقالت المديرة العامة لجمعية «غيشاه» ساري بشي في تعقيبها على هذه الوثيقة أنها تذكّر بال»الخطوط الحمراء» التي على الدولة عدم تخطيها. واعتبرت أن التقليص المقصود والمدروس لتزويد المدنيين بالمواد الغذائية من أجل الضغط على السلطة «خرق واضح للخطوط الحمراء وهو خرق كان متاحًا بسبب إصرار الحكومة على إخفاء سياستها». وأضافت أن هذا ما كان عام 2008، وهذا ما نشهده الآن مع «سياسة الفصل» التي تمنع حركة المدنيين الضرورية لتوفير حياة منتظمة وطبيعية في قطاع غزة.