حضّ العاهل المغربي الملك محمد السادس نواب البرلمان على التزام الحزم والشجاعة لإضفاء قيمة جديدة على الممارسات النيابية تستجيب تطلعات الشارع. ودعا لدى افتتاحه أعمال المؤسسة الاشتراعية للمرة الأولى بعد اقتراع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، النواب إلى «بلورة مدونة أخلاقية ذات بعد قانوني» تتعلق بترسيخ قيم الوطنية وإيثار الصالح العام والمسؤولية والنزاهة والمشاركة و «احترام الوضع القانوني للمعارضة البرلمانية» وتكريس الحوار البناء. ونبّه البرلمان إلى ضرورة أن يصبح مدرسة للنخب السياسية «أكثر صدقية وجاذبية» لتحقيق المصالحة مع «كل من أصيب بخيبة الأمل في العمل السياسي وجدواه في تدبير الشأن العام». ورأت المصادر أنها المرة الأولى التي يعرض فيها ملك البلاد إلى مؤاخذات تشمل العزوف عن المشاركة وانجذاب الصراع الحزبي إلى هوامش القضايا من دون أن يتحدث عن ذلك صراحة. لكنه ألح على الارتقاء إلى مستوى الصالح العام «وتغليب المصالح العليا للأمة». وذهب أبعد من ذلك لدى دعوته إلى «ترشيد علاقة الحوار الدائم والتعاون الوثيق بين الحكومة والبرلمان» في إطار الاحترام الكامل لخصوصيات كل منهما ومجالات اختصاصاته. وكان مزيد من الجدل أثير حول العلاقة بين الحكومة والمؤسسة الاشتراعية خلال الممارسات الرقابية التي تتعلق بإجابات رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران على استفسارات النواب في قضايا محورية. بيد أن العاهل المغربي أبدى تفاؤله إزاء الولاية الاشتراعية الراهنة التي حملت حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى صدارة الترتيب وتشكيل حكومة ائتلاف تضم أحزاب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية إلى جانب الإسلاميين. وعبّر عن يقينه بأن في الإمكان جعل هذه الولاية «أكثر الولايات الاشتراعية إبداعاً وعطاء». ورهن ذلك بالمسؤولية التي تطاول «بلورة قوانين تنظيمية جديدة وأخرى عادية» على طريق استكمال مقتضيات الدستور الجديد على الوجه الأمثل. ولم يفته التأكيد أن البرلمان أصبح مؤهلاً للقيام بتعديل الدستور من دون المرور عبر الاستفتاء، كونه أصبح المصدر الوحيد في التشريع. واتسع نطاق الصلاحيات التي يتمتع بها في إقرار القوانين التنظيمية ذات الصلة بتفعيل الوثيقة الدستورية التي صدّق عليها الشعب المغربي في صيف 2011. وحدّد العاهل المغربي أولويات المرحلة في إصلاح التنظيم الترابي بدءاً بتوفير الشروط القانونية والتنظيمية لإقامة مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) في صيغته الدستورية الجديدة، في إشارة إلى ارتباط ذلك بانتخابات البلديات وغرف التجارة والصناعة والزراعة ومندوبي المركزيات النقابية من دون تحديد سقف لذلك. لكنه في الوقت ذاته عرض إلى أهمية النظام الجهوي لناحية احترام روح ومنطوق الدستور الذي نص على الجهوية كمؤسسة دستورية. ودعا العاهل المغربي إلى تسريع إقرار نظام الجهوية المتقدم الذي يمنح المحافظات صلاحيات أوسع في التدبير المحلي للمنتخبين المحليين مع الأخذ في الاعتبار الاقتراحات الوجيهة للجنة الاستشارية التي كان عهد إليها الملك محمد السادس بإعداد تصور شامل حول جهوية متقدمة واسعة. وعرض الملك محمد السادس إلى المحور الثاني في سلم الأولويات، فأكد أن إصلاح منظومة القضاء يرتدي بعداً استراتيجياً. وأهاب بالبرلمان اعتماد القوانين التنظيمية الخاصة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاء في سياق الالتزام الدقيق بروح ومنطوق الدستور. إلى ذلك، اختارت الكتلة النيابية ل «العدالة والتنمية» في مجلس النواب البرلماني عبدالله بوانو رئيساً لفريقها. ورأت المصادر في ذلك الاختيار تحولاً لجهة غلبة التيار المتشدد داخل الحزب الاسلامي، بخاصة وقد عرف عن بوانو أنه كان أكثر انتقاداً لوزارة الداخلية على رغم أن الوزير محمد العنصر يشارك في الائتلاف الحكومي.