كان يمكن طرح العديد من الأسئلة خلال المبادرة التي أطلقتها «جمعية امم للتوثيق والأبحاث» قبل يومين. منها مثلاً لماذا لا يزال هناك معتقلون لبنانيون في السجون السورية؟ أو لماذا يتم التعامل الرسمي مع هذه القضية وكأنها غير موجودة؟ ومن هم هؤلاء المعتقلون، وما هي التهم التي اعتقلوا على أساسها، وكم هي نسبة المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي من بينهم؟... أسئلة كثيرة تستثيرها المبادرة التي أطلقتها جمعيّة «أمم للتوثيق والأبحاث» بعنوان «هواة الظلام - تجارب الاعتقال في السجون السوريّة»، أول من أمس خلال أمسية رعتها سفيرة ألمانيا في بيروت بريغيتا سيفكر-إيبرلي، وحضرها السفير التركي إينان أوزيلديز وحقوقيون واعلاميون ومهتمون وسجناء سابقون في السجون السورية. الأمسية التي هدفت الى إلقاء الضوء على معاناة المعتقلين الذين خرجوا من السجون السورية أو الذين ما زالوا فيها، كانت مناسبة للإعلان عن إطلاق جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية التي تضم عدداً من السجناء السابقين وحقوقيين ومهتمين بشؤون حقوق الإنسان. وخلال الأمسية أدى معتقلون سابقون عرضاً حياً بتوقيع أليكس بوليكيفيتش، يتناول المراحل التي يمرّ بها المعتقل منذ توقيفه حتى إخراجه من السجن، وما بينهما من رحلة عذاب طويلة «الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود»، بحسب الشعار الذي زيّن مدخل القاعة في ضاحية بيروت الشمالية في منطقة سن الفيل. وفي المكان نفسه عرضت أعمال يدوية نفّذها معتقلون لبنانيون سابقون في السجون السورية، وهي أعمال مصنوعة من مهملات وقطع بلاستيك صغيرة وغيرها مما كان السجين يتمكن من الحصول عليه والإحتفاظ به. كما عُرضت بعض المقتنيات في السجن من تلك التي اخترعها السجناء ك «البراد» المصنوع من صناديق البلاستيك. وخلال المعرض وقّع رئيس «جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السوريّة» علي أبو دهن كتاب «عائد من جهنّم - ذكريات من تدمر وأخواته». وعلى غِرارِ مشاريع أخرى تنفّذها «أمم»، لا تقتصر المبادرة المموّلة من معهد العلاقات الخارجية (إيفا) التابع لوزارة الخارجية الألمانية، على وجهٍ واحد بل تتضمّن، إلى جانب العمل التوثيقي والبحثي الذي تُنشَر نتائجه تباعاً، ورقياً وإلكترونياً، مجموعةً من الأنشطة ذات الطابع الفني والثقافي. وقال رئيس جمعية «أمم» لقمان سليم في كلمة ألقاها إن المبادرة «تتحرّك بين مقاصد عدّة لا تخرج عمّا حاولته أمم سابقاً من خلال مشاريع من قبيل «ما العمل؟ لبنان وذاكرته حمّالة الحروب» الذي ساءل نجاحات «السلم الأهلي» في لبنان وإخفاقاته، «ولم يعودوا...» الذي تابع موضوع المفقودين والمخفيين قسراً خلال الحروب اللبنانية، و«كتب من الميدان» الذي رصد التداخل بين الإنتاج الفني والثقافي وبين سياقات الحرب». واعتبر أن «اللبنانيين لم يتهاونوا في تدبّر تركة نزاعاتهم المنزلية فقط ولكنهم تهاونوا أيضاً ويتهاونون، بل قل يتكاسلون، في تدبر تركات ثقيلة أخرى لا تختص بهم وحدهم، ومنها تلك السنوات الطوال من الحميمية السياسيّة والأمنيّة بين لبنان وسورية. وهذه، كما لا يغيب عن أحد، تركة لن يكفي تغيير نظام أو حتى سقوطه، أو تصريح من هنا أو بيان من هناك، لحصر إرثها...». وأثنث سفيرة ألمانيا في بيروت على عمل «أمم» لناحية «توثيق الأدلّة والبيانات والذكريات والمستندات المستقاة من سنوات الحرب القاتمة في تاريخ لبنان»، منوّهة ب «إدخال أمم الفنّ على أنواعه في أدوات عملها». عائد من جهنم وبعد توقيعه كتابه الذي يتاول تجربته في زنزانة أحد السجون السورية لعقدين من الزمن، اعتبر المعتقل السابق علي أبو دهن أن «هناك خطراً كبيراً يحدق بالسجناء اللبنانيين السياسيّين الذين ما زالوا داخل السجون السوريّة»، مبدياً قلقه على «جميع السجناء الباقين، سوريين وعرباً، لأنّ المحنة واحدة والظالم واحد». وأوضح أنّ كتابه «عائد من جهنّم - ذكريات من تدمر وأخواته» هو «وفاء وعهد كي لا يذهب الظلم وتضيع الشهادة مع من ماتوا وهم أحياء». وقال: «لقد صمّمت على كتابته كي لا أنسى ظلامي»، لافتاً الى أن «هذا الكتاب هو حافز تذكير مستمر كي لا ننسى 620 معتقلاً فعلياً معروفين من قبلنا ومن قبل معظم الجمعيات الحقوقيّة ومن الدولة اللبنانيّة التي حفظت أسماءهم عن ظهر قلب، فلا سألت ولا طلبت ولا استدعت سفير سورية للاستفسار عن رعاياها وأبنائها، علماً أنّ بين المعتقلين عناصر من الجيش والدرك اللبناني، اعتقلوا بلباسهم الرسميّ».