لم تكن محاضرة الدكتور حسن حنفي كبقية المحاضرات، شهدت طرافة وسخونة واستفزازاً من المحاضر للحضور. بدأ محاضراته قائلاً: «سعدت حين اتصل علي اثنان من الشباب السعوديين يقولون لي نريد أن نعيد للفكر وهجه وأهميته لدى جيل الشباب» وأشار في أحاديث جانبيه مع «الحياة» إلى أن الشباب السعودي واعد بفكره وحراكه الإصلاحي، إلا أنه رفض الحوارات الإعلامية، وانتقد حضور الرموز الإسلامية الطاغي في الإعلام كالدكتور سلمان العودة، لكنه أبدى سعادته بتغير العودة الفكري. على رغم أن حنفي لا يكاد يصعد درجة واحدة إلا بمساعدة مرافق له، إلا أن روحه بدت شبابية بامتياز. يجادل كعشريني مندفع للفكر. ويستمع ككهل مشبع بالحكمة. الهم الفلسطيني يغمره من رأسه إلى أخمص قدميه. ينصت بتمعن حين يحادثه شاب فلسطيني عن أوضاعهم في الأراضي المحتلة. يقول في محاضرته بعد إسهاب حول التراث وانزعاج من الانشغال بقضايا هامشية على حساب قضايا مصيرية: «أفكر دوماً بأسئلة عدة سيسألني الله عنها إذا مِتُّ؟ ماذا فعلت لفلسطين وهي محتلة؟ ماذا فعلت لتحرير المواطن من الخوف؟ ماذا فعلت لتحقيق العدالة الاجتماعية، وماذا فعلت لوحدة الأمة وماذا فعلت لتتقدم الأمة العربية والإسلامية أمام التخلف الحالي وضعف التنمية، وماذا فعلتم يا بليون مسلم أمام 14 مليون يهودي في العالم يحتلون أرضكم ولم تستطيعوا التغلب عليهم... هذا الهم الذي لا بد من أن يكون واقعاً». وأوضح أن هناك اشتباهاً حول التراث، فهناك تراث يدافع عنه السلفيون ويهاجمه العلمانيون ويحاول الإصلاحيون أن يعالجوه من جديد ويمنعون بعض السلبيات فيه، مفيداً بأن التراث تجربة حية نعيشها كل يوم وفي كل مكان. ونفى أن يكون التراث هو الدين، إذ التراث برأي حنفي هو «ما أبدعه القدماء شرحاً للكتاب والسنة، والتراث ليس مقدساً وليس سراً. بل هو من صنع الرجال وهو ليس ثابتاً فلكل عصر تراثه». وتساءل: ماذا أفرز عصرنا من تراث؟ ويجيب: «اكتفينا بالشرح والتعليق على القدماء، وكأننا لا نستطيع أن نبدع تراثنا؟ لماذا المناهج الفقهية أربعة فقط؟ لماذا أصبنا بعقدة العلماء القدماء؟ معتبراً أن ناقل العلم ليس بعالم. ورأى أن التمسك بالقديم هو نوع من العجز عن مواجهة الحديث، وقسم التراث علوم نقلية لا نعمل العقل فيها مثل: (القران/الحديث/ السيرة/التفسير/الفقه) وعلوم نقلية عقلية مثل: (الكلام/التوحيد/أصول الدين/أصول الفقه/الفلسفة) وعلوم عقلية خالصة: (رياضيات/طبيعية/إنسانية). وطرح تساؤلاً آخر: ماذا ترك التراث في أذهاننا؟ هل كان وراء دوافعنا للسلوك؟ وأضاف: «لو سألت الناس الذين يمثلون الثقافة الشعبية كيف يرون العالم؟ يتصورنه على محور رأسي من الأدنى إلى الأعلى». وأضاف: «كلنا يتصور العالم بهذه الطريقة، الغرب في البداية كان له هذا التصور، ولكنه غير المحور إلى أفقي ومن يريد التقدم فليذهب إلى الأمام وليس إلى الأعلى، ولهذا السبب لم نستطع التقدم وكل من أراد تغيير المحور إلى أفقي فهو متهم بالكفر والزندقة». ورفض أن يتقيد المفكر المعاصر برأي العلماء السابقين، وقال: «نحن رجال وهم رجال، ولا نقتدي بهم (العلماء السابقين)»، ورأى أن الفضاء الفقهي ليس فارغاً حالياً، لكن لا يمنع من الزيادة عليه».