هل في العالم العربي من يعرف كيف يفكر «حزب الله»؟ وماذا يريد؟ وماهية أبعاد علاقته مع حكومات عربية ولاتينية؟ لا أعتقد أن هناك من يعرف الحزب وطرائق تفكيره وسلوكياته أكثر من اللبنانيين أنفسهم، فكل واحد منهم لديه حكاية ورواية «سمينة» عن الحزب وخططه، إن شئت أن تستمع لها وتصدقها، وإن شئت أن تستمع لها وتمضي لتتحقق منها! غالبية الأصدقاء اللبنانيين يروون حكايات «أسطورية» عن سلاح الحزب ونفوذه وقوته وإمكاناته وقدراته حتى على اختراق منازلهم وغرف نومهم، والمقاهي التي يدردشون ويتحلقون فيها مع ضيوفهم! سمعة الحزب في السنوات الأخيرة لم تعد بين الشعوب العربية «جاذبة» كما كانت بعد طرده لإسرائيل من جنوب لبنان، وذلك لأسباب عدة، من بينها افتضاح سياساته وسلوكياته ومواقفه الطائفية في «الربيع العربي»، ودعمه السافر للنظام الدموي القاتل في دمشق. ويعتقد العارفون بالحزب أن أوضاعه الراهنة مرتبكة ويعيش حال قلق، وأنه يشعر بانحسار شعبيته وتزايد كارهيه في الدول العربية، حتى بين أبناء الطائفة الشيعية. ويعتقد هؤلاء بأن الحزب سيواجه أياماً سوداء أشبه بالتي واجهها قادة الأنظمة المستبدة في الانتفاضات العربية، وأن قدراته وقوته ستنحسر تدريجياً بسبب التضييق على مصادر تمويله، وقرب سقوط حليفه نظام الأسد، وتوقّع قيام ثورة شعبية في إيران ضد نظام الملالي من وراء تعثّر الاقتصاد وتدهور الريال وتزايد نسب البطالة والهجرة. لكن ربما يغيب عن هؤلاء العارفين بالحزب، أنه لا يزال يحظى بعلاقات سرية مع بعض الحكومات، ويخترق مؤسسات عربية مؤثرة عدة، من بينها وسائل إعلامية خليجية ناجحة، إضافة إلى أن «حزب الله» له رصيد لا يستهان به من المؤيدين في دول الخليج ودول عربية أخرى، وله شبكة واسعة في أذربيجان ودول أميركا اللاتينية ودول أفريقية، بعضها عبر التجار والتجارة، كما يمتلك شبكة مخابراتية فاعلة تديرها قوات «الحرس الثوري» الإيراني. «حزب الله» ليس عربياً بل إيرانيٌ بامتياز، وقائده السيد حسن نصرالله يتحرك وفق التوجيهات الإيرانية، وتعتبره طهران حزباً «إلهياً»، يعمل وفق سياسة «الولي الفقيه». سمعة الحزب تتدحرج بفعل مواقفه السياسية، وأشبه برواية على وشك أن تنتهي فصولها وتتساقط أوراقها، بعد أن فقد سمعته والثقة به، ويعود الفضل في ذلك إلى اليقظة الشعبية في «الربيع العربي». وساعدت في افتضاح سياسات الحزب تناقضاته وطائفيته ومساندته للنظام في دمشق، فيما كان قادته إبان الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين يدغدغون مشاعر الشعوب العربية بالشعارات ودعوتها إلى الثورة ضد المستبدين. لا ينكر الحزب أن سياساته تنطلق وفقاً لمبادئ «الولي الفقيه»، وأن طهران لا تتردد في دعم نظام بشار بالمال والعتاد والرجال، لأنها تعلم أن انتصار نظامه على الثورة هو انتصار لطهران، ويفك الخناق عن حزبها «الإلهي»، وهو ما يعني سعي «الحرس الثوري» لإنقاذ نظام الأسد باعتباره أولوية مقدسة للحزب ولإيران. ولقد كشفت الثورة السورية «موبقات» الحزب عبر مشاركة عناصره في قتل السوريين، وآخرها الأسبوع الماضي بعد إعلان مقتل القيادي البارز في الجناح العسكري للحزب حسين ناصيف (أبوعباس)، إذ كان يقاتل مع قوات بشار الأسد، ولم يشأ الحزب إلا نشر ما نصه: «شيّع حزب الله وأهالي بلدة بوداي والجوار جثمان الشهيد القائد الحسين ناصيف الذي قضى خلال قيامه بواجبه الجهادي». ولم يذكر الحزب أية تفاصيل حول مقتل ناصيف، وأين كان يجاهد، فيما أكدت مصادر سورية ولبنانية أن ناصيف ورجلين آخرين تابعين للحزب قتلوا في سورية. وماذا يعني أيضاً تفجّر مخزن لأسلحة الحزب في بلدة النبي شيت الذي خلّف تسعة قتلى وعدداً غير معروف من الجرحى؟ يقف الحزب موقفاً مستفزاً وظالماً ضد الشعب السوري، وآخرها رفضه نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية - السورية، واصفاً نشر مثل هذه القوات ب«الصهيوني»، فيما لا يزال يملي على الحكومة اللبنانية سياسة «النأي بالنفس» وعناصره تشارك في قتل أطفال ونساء سورية، وقادته يؤيدون ممارسات الأسد. أعتقد أن الحزب متورط في دور دموي في سورية، ولن تغفر له الشعوب العربية مواقفه وتناقضاته وسياساته، ويبدو أنه يهدف بالتنسيق مع نظام «البعث» في سورية، إلى تصفية حسابات طائفية، والمشاركة في إشعال حرب أهلية ترتبط بمحاور إقليمية عبر ربطها بالثورة السورية وفق توجيهات إيرانية لا تقبل المراجعة، بهدف إنقاذ نظام الأسد حتى آخر قطرة دم، وبذلك يكون الحزب كتب لنفسه بداية النهاية. [email protected] twitter | @JameelTheyabi