اتحدت دول العالم أمس في إدانة إطلاق قذائف من سورية إلى داخل الأراضي التركية ما أدي إلى سقوط قتلى وجرحى، واعتبرت الحادث دليلاً على «السلوك المارق» لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، و «تهديد جدي» للأمن والسلم الدوليين، متهمة سورية ب «انتهاك صارخ» للقانون الدولي. وفيما اتفقت دول العالم والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) على اعتبار الحادث «مأساة»، حضت في الوقت نفسه كل من أنقرةودمشق على ضبط النفس وعدم التصعيد. ففي واشنطن، أبدت الولاياتالمتحدة «غضبها» إزاء الحادث، معتبرة أن هذه الخطوة تشكل «مثالاً جديداً على السلوك المارق» لنظام الرئيس بشار الأسد. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال مؤتمر صحافي «نشعر بالغضب لأن السوريين يطلقون النار عبر حدودهم... وبالأسف للخسائر في الأرواح في الجانب التركي». ووعدت كلينتون خلال اتصال هاتفي مع نظيرها التركي أحمد داود أوغلو «بالدعم الثابت من الولاياتالمتحدة لسيادة حليفنا التركي وسلامة أراضيه» وفق الناطقة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند. أما وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) فاعتبرت بلسان الناطق باسمها جورج ليتل أن القذائف السورية تشكل مثالاً جديداً على «السلوك المارق للنظام السوري وللسبب الذي لأجله عليه مغادرة السلطة». وأضافت في بيان «نحن نأسف لخسارة أرواح بشرية في تركيا الحليف المهم، وسنواصل متابعة الوضع من قرب». والنبرة نفسها كانت في البيت الأبيض الذي «دان بشدة» القصف السوري و «أسف بشدة لخسارة أرواح أتراك أبرياء». وأكد الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي تومي فييتور في بيان، أن «نظام الأسد أنزل عذابات غير مقبولة بشعبه. على كل البلدان المسؤولة أن تظهر بوضوح أن الوقت حان لتنحي الأسد وإعلان وقف إطلاق نار والبدء بعملية انتقال سياسي كان يجب أن تبدأ منذ وقت طويل». وفي باريس، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن إطلاق قذائف من سورية على الأراضي التركية «يطرح تهديداً جدياً على السلام والأمن الدوليين». وقال فابيوس في بيان «لا يمكن الأسرة الدولية أن تقبل بأن يواصل النظام السوري ممارسة أعمال العنف سواء داخل حدوده أو خارجها. يجب وضع حد لذلك في أقرب فرصة». وأوضح أن «فرنسا كسائر حلفائها تقف إلى جانب تركيا» مشدداً على أن المشاورات مستمرة في الأممالمتحدة كما في حلف شمال الأطلسي. وتابع «أطلب من الأسرة الدولية بكاملها وخصوصاً عبر مجلس الأمن الدولي أن توجه بوضوح وبسرعة رسالة إدانة حازمة إلى السلطات السورية». في موازاة ذلك، دعا وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلليه أنقرة إلى «الاعتدال» في ردها على الحادث. وقال الوزير «نحن نقف إلى جانب تركيا، حليفتنا في حلف شمال الأطلسي - لا شك في ذلك - لكننا ندعو أيضاً إلى الاعتدال ولرد معقول في هذا الوضع المتدهور، يجب نزع الفتيل الآن». غير أنه دعا أيضاً «بإلحاح نظام الأسد إلى احترام سيادة تركيا ووحدة أراضيها وجيرانه الآخرين». وقال الوزير الألماني إن هذه الأحداث «تدل على تعاظم خطر الاشتعال بسبب النزاع الأهلي المستمر في سورية وذلك يفرض على المجتمع الدولي التحرك». وزاد «إنني دعوت كل أعضاء مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته وعدم عرقلة قدرة المجتمع الدولي على التحرك بموقف اعتراضي». كما دان الاتحاد الأوروبي بشدة الحادث، وحضّ «جميع الأطراف» على ضبط النفس. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون «أدين بشدة قصف القوات السورية قرية أكجاكالي التركية الحدودية» ودعت «جميع الأطراف إلى ضبط النفس». وأضافت آشتون أن «الحادث يظهر بوضوح النتائج المأسوية لانعكاس الأزمة السورية على الدول المجاورة». ودعت السلطات السورية «إلى وضع حد فوري للعنف» و «احترام سيادة أراضي جميع الدول المجاورة ووحدتها». وتابعت «أن مثل هذه الانتهاكات للسيادة التركية غير مقبول». ودعا حلف الأطلسي سورية إلى «وضع حد لانتهاكاتها الفاضحة القانون الدولي»، وذلك عقب اجتماع طارئ عقد في بروكسيل بدعوة من تركيا. وأفاد بيان لحلف الأطلسي عقب الاجتماع بأن «الحلف يواصل الوقوف إلى جانب تركيا»، أحد أعضائه ال28 «ويطالب بالوقف الفوري لمثل هذه الأعمال العدائية بحق حليف ويحضّ النظام السوري على وضع حد لانتهاكاته الفاضحة للقانون الدولي». وزاد البيان أن إطلاق القذائف يشكل «مصدر قلق كبير للحلفاء وهم يدينونه بشدة» مشيراً إلى «روح الوحدة والأمن والتضامن» بين أعضاء الحلف. وضم الاجتماع الذي استمر أقل من ساعة في مقر حلف الأطلسي ببروكسيل، سفراء الدول الأعضاء ال28. وقد عرض السفير التركي أمام نظرائه ما حدث في جنوب شرقي تركيا، وفق ما أفاد مصدر ديبلوماسي. ولجأت تركيا إلى البند الرابع من معاهدة حلف الأطلسي التي يمكن بموجبها كل دولة عضو في حلف الأطلسي طلب إجراء مشاورات «كل مرة تكون برأي أحد الدول الأعضاء، سلامة الأراضي، الاستقلال السياسي أو أمن جزء منها مهدداً». وفي 26 حزيران (يونيو)، اجتمع مجلس الأطلسي في الإطار نفسه بعد تدمير طائرة عسكرية تركية من جانب الدفاعات السورية ومقتل اثنين من طياريها. وأعرب حلف الأطلسي بعد الاجتماع عن «دعمه القوي» وتضامنه مع السلطات التركية. وأعلن الأمين العام أندرس فوغ راسموسن أن أمن حلف الأطلسي «لا يتجزأ». ومذاك، أكد راسموسن مراراً أن حلف الأطلسي لا ينوي التدخل في سورية وأن الحل الوحيد للنزاع سيكون سياسياً. وهي المرة الثالثة منذ إنشاء حلف الأطلسي عام 1949 التي تجرى الدعوة إلى اجتماع طارئ استناداً إلى البند الرابع، وكل هذه الدعوات صدرت من تركيا. المرة الأولى كانت عام 2003 إثر الحرب في العراق. وأعربت روسيا عن قلقها إزاء الوضع «المتدهور» بين سورية وتركيا. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي خلال زيارة لإسلام آباد «بالنسبة للحادث بين سورية وتركيا فإنها تثير قلقنا البالغ. الوضع يتدهور كل يوم». وقال لافروف إن سورية قدمت ضمانات بعدم تكرار الحادثة ودعا إلى فتح قناة اتصال مباشر بين دمشقوأنقرة. وقال لافروف إن السلطات السورية أكدت لموسكو أن القصف هو «حادث مأسوي»، مشدداً على وجوب أن تعلن دمشق ذلك رسمياً. وتابع «لقد اتصلنا بواسطة سفيرنا بالسلطات السورية التي أكدت لنا، وكذلك للمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، أن ما جرى على الحدود مع تركيا هو حادث مأسوي وأنه لن يتكرر أبداً»، مضيفاً «نعتبر أن من الضروري أن تعلن دمشق هذا رسمياً». وفي موسكو دعا الناطق باسم وزارة الخارجية ألكسندر لوكاشيفيتش إلى «ضبط النفس». وحذرت مصر وجامعة الدول العربية من تداعيات التوتر على الحدود السورية – التركية، ما قد يؤدي إلى اتساع نطاق الأزمة السورية. ودعا وزير الخارجية المصري محمد عمرو الحكومة السورية إلى ضمان عدم التعدي على حدود الدول المجاورة، محذراً من الأخطار الجمة التي تحدق بالمنطقة بأسرها نتيجة احتمالات اتساع نطاق الأزمة السورية، كما أعرب عن تعازي مصر للشعب التركي في مقتل سيدة تركية وأطفالها الأربعة ليل الأربعاء نتيجة سقوط القذائف السورية. وأكد عمرو استمرار مساعي مصر لوقف نزيف الدم في سورية، وذلك من خلال الاتصالات العاجلة التي تجريها مصر مع جميع القوي الإقليمية والدولية في هذا الشأن، مشدداً في الوقت ذاته على مسؤولية الحكومة السورية عن وقف إراقة الدماء ووقف دائرة العنف والحيلولة دون اتساعها. وعبّر الأمين العام للجامعة الدكتور نبيل العربي عن قلقه البالغ محذراً من مغبة هذا التطور الخطير للأحداث على الحدود التركية - السورية، وما يحمله ذلك من تهديد خطير للسلم والأمن في المنطقة، والأمن العالمي. وحضّت طهران كلاً من دمشقوأنقرة على ضبط النفس كما أفادت وكالة فارس للأنباء. ونقلت «فارس» تصريحاً لمساعد وزير الخارجية للشؤون العربية قال فيه إن «الجمهورية الإسلامية في إيران تطالب الطرفين بضبط النفس والتحقيق في الحادثة وأخذ أهداف الأعداء في المنطقة في الحسبان».