«إذا استطعت تأمين المنزل فلا أستطيع تأمين أثاثه وتكاليف العرس»، يقول محمد علاء الذي تجاوز الأربعين من عمره لزميله في العمل مبرراً عدم زواجه، بينما كان يلح عليه بضرورة الإسراع في اختيار «ابنة الحلال»، قبل أن يصبح أولاده المفترضون مشاريع أيتام. محمد الذي فقد مؤخراً آخر من تبقى من إخوته بسبب تقدمهم بالعمر، يؤكد لزميله أنه لم يبق من العمر أكثر مما مضى، وأنه يفضل أن يبقى وحيداً على أن يتزوج من فتاة مقبلة على الحياة لا يستطيع أن يجاريها، فهو كما يؤكد، يرى نفسه أمام الجيل الجديد «من هم في العشرينات» متخلفاً عنهم بعصور، بخاصة ما يتعلق بطرق التفكير ووسائل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة التي لا يجيد منها شيئاً. ويدلل على ذلك بأنه حاول إنشاء علاقة عاطفية بفتاة أخيراً، غير أن البرامج التي كانت تطلبها منه الفتاة لاستخدامها على الهواتف الذكية من أجل التواصل معها، كان لا يجيدها، أو حتى لم يسمع عنها كما يؤكد. «الوضع المادي لا يسمح لي حالياً بالزواج»، عبارة كثيراً ما تسمعها بين أوساط الشباب في الأردن، وهي ما يرددها الشاب يوسف محمد (32 سنة) الذي يعمل في شركة خاصة. ويضيف يوسف أن الأوضاع الاقتصادية «تجعل الزواج مشروعاً صعباً نظراً لتكاليفه الباهظة، وأجرة السكن وحدها قد تستنزف الكثير من راتبي الشهري ومن الصعب جداً شراء بيت ملك في هذه الفترة لأن البيوت غالية الثمن والراتب لا يتحمل أخذ قروض». ويؤكد الشاب الثلاثيني صائب مبارك أن العادات الاجتماعية فرضت الكثير من المصاريف الإضافية على العريس والتي أصبح من الصعب تأمينها، ضارباً مثلاً على ذلك ارتفاع أسعار الذهب في السنوات الأخيرة، ما شكل عبئاً إضافياً على المقبلين على الزواج. يذكر أن سن الزواج في الأردن ارتفعت في السنوات الأخيرة في شكل ملحوظ جداً، إذ أصبح الشباب يبلغون من العمر30 سنة وما فوق وهم ما زالوا لا يملكون القدرة على الارتباط، بسبب تكاليف الحياة الصعبة، والتزامات الحياة الكثيرة التي فرضت على الشباب الأردني في سن مبكرة تأمين مصاريف الدراسة والبحث عن العمل الذي أصبح صعب المنال، فيما الحصول على عمل يكون في العادة براتب ضئيل جداً لا يكفي لتأمين حاجات فرد واحد، وخصوصاً أن الأهل لم يعد بمقدورهم أن يساعدوا أبناءهم في كل شيء، لأن التزامات الحياة أصبحت كثيرة. وهذه الأسباب وغيرها الكثير أجبرت الشباب الأردني على عدم التفكير في الزواج في سن مبكرة لعدم قدرته على تحمل مسؤولية أسرة والتكفل بمصاريف الحياة الصعبة، والقدرة على الزواج بعد بضع سنوات من العمل، ما أدى إلى ارتفاع سن الزواج وتضاعف نسبة العنوسة إلى ما نسبته 15 في المئة. وكانت دراسة بعنوان «مؤشرات الزواج والطلاق في الأردن لعام 2009» أفادت بوجود أكثر من 98 ألف فتاة أردنية تجاوزت سن الثلاثين لم يسبق لها الزواج، وأن متوسط العمر عند الزواج الأول للذكور بلغ 29.6 سنة مقابل 26 سنة عند الإناث، بعد أن كان هذا العمر عشرين سنة للذكور و17 للإناث عام 1961. وعلى الطرف الآخر من معادلة الزواج، دفعت الأوضاع الصعبة كثيرات إلى عدم التفكير بالزواج والبحث عن فرصة عمل من أجل تحسين أوضاعهن ومساعدة عائلاتهن، وهو ما تؤكده إسلام حتاحت (27 سنة) وهي معلمة في إحدى المدارس الحكومية. وتشير إسلام إلى أن الفتيات الآن «اصبحن أيضاً متعلمات ولهن كيانهن المستقل ويبحثن دائماً عن الأفضل والارتقاء إلى مستويات أفضل في الحياة من خلال الارتباط في الشخص المناسب الذي يناسبهن ويناسب طموحاتهن». وتؤكد فيروز الوهيبي وهي خريجة أدب عربي منذ 3 سنوات، أنها لم تجد حتى الآن الشريك المناسب لها، فهي تعودت على مستوى حياة معين عند أهلها فلا تستطيع العيش دون هذا المستوى، وكثيرون ينتقدون نظرتها لأنها برأيهم نظرة مادية بعض الشيء، ولكن الانتقادات لا توثر فيها لأن المشاكل المادية، برأيها، هي أهم أسباب الخلاف بين الأزواج التي تؤدي إلى الانفصال في وقتنا الحاضر. ويؤكد الدكتور حسين الخزاعي أستاذ علم الاجتماع المتقاعد، أن «تأخر سن الزواج في الأردن اصبح أمراً مقبولاً، ويعود ذلك للأسباب الاقتصادية والبطالة الموجودة في المجتمع، فانتشار البطالة بين الشباب وعدم توافر فرص العمل أمام الكثيرين، وانخفاض مستوى الرواتب مقارنة مع متطلبات الحياة الأساسية من مأكل وملبس ومسكن، تجعل الشاب غير قادر على التوفير والتهيئة للزواج في سن مبكرة، والشباب الأردني يطمح إلى أن يكمل تعليمه إلى مستويات عليا قبل الزواج، والفتيات أصبح لديهن طموح بالعمل قبل الزواج، ونظرة المجتمع اختلفت بالنسبة إلى سن الزواج بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية، ومن الأسباب الاقتصادية ارتفاع المهور وتوابعها وارتفاع تكاليف حفلات الزفاف والأثاث». وبحسب مدير عام دائرة الإحصاءات العامة حيدر فريحات، ارتفعت نسبة العزوبية في المملكة من حوالى 33 في المئة عام 1979 إلى حوالى 41 في المئة عام 2009.