التقشف وزيادة الضرائب، سمتان رئيستان لخطط معالجة أزمة الديون في منطقة اليورو، جوبهتا برفض في عدد من دول المنطقة منها اليونان وإسبانيا، وأمس في البرتغال حيث تظاهر الآلاف في شوارع لشبونة احتجاجاً على السياسة الاقتصادية لحكومة يمين الوسط، التي تستعد لزيادة تدابير التقشف وفاء لالتزاماتها الدولية. ودعا أبرز الاتحادات النقابية في البرتغال إلى التظاهر، «رفضاً لسرقة الرواتب ومخصصات التقاعد»، ولبّى الدعوة غاضبون ومجموعة مواطنين نفوا أي انتماء سياسي لهم، وأكدوا استناداً إلى مواقع التواصل الاجتماعي نجاحهم في تعبئة مئات الآلاف في ثلاثين مدينة في 15 أيلول (سبتمبر) الجاري. وتشكل هذه التظاهرة، أكبر التجمعات في البرتغال منذ حصولها في أيار (مايو) عام 2011، دليلاً على ازدياد النقمة الشعبية على مساعدة قيمتها 78 بليون يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وأعلن الأمين العام للاتحاد النقابي الداعي إلى التظاهرة الجنرال أرمينيو كارلوس، أن هذا التجمع «سيكون الأكبر الذي ينظمه الاتحاد»، معوّلاً على «حضور كبير للعمال العاطلين من العمل، الشبان والمتقاعدين». كما أصاب الاستياء الشعبي قوات حفظ النظام، وأعلنت نقابتهم التعبئة. ولقاء خطة الإنقاذ المالي، لجأت لشبونة إلى زيادة التقشف، لكن مستويات الانكماش الاقتصادي والبطالة ارتفعت، وبسبب تراجع الواردات الضريبية، تواجه حكومة يمين الوسط صعوبة في الحفاظ على حساباتها العامة. وأشار المعهد الوطني للإحصاءات، إلى أن «نسبة العجز بلغت 6.8 في المئة من الناتج المحلي نهاية حزيران (يونيو) الماضي، وهو رقم لا يزال أعلى من 5 في المئة الذي حددته الحكومة كهدف على مدى العام، على رغم رفع هذا الأخير في تقويم أخير أجرته «الترويكا»، التي تمثل الجهات الدائنة للبرتغال. وأكد وزير المال البرتغالي فيتور غاسبار، «تعزيز الرقابة على النفقات وزيادة الضرائب على الأصول ورؤوس الأموال، بهدف تصحيح هذا الخلل». يُذكر أن على الحكومة إعادة العجز إلى مستوى 4.5 في المئة من الناتج المحلي عام 2013، بعدما حُدد هدف في السابق ب3 في المئة، مع تحقيق وفر إضافي ب4.9 بليون يورو، وحذّر رئيس الوزراء بدرو باسوس كويلو، من أن ذلك «يؤدي إلى رفع جديد وشامل للضريبة على الدخل». على مستوى منطقة اليورو، لم يستبعد محللون اقتصاديون، أن «تحول التدابير الصارمة المعلنة في فرنسا ولدى جاراتها الأوروبية في ظل الأزمة الاقتصادية، دون تمكين هذه الدول من تحقيق هدف خفض العجز في الموازنة العامة إلى 3 في المئة من الناتج الداخلي عام 2013». وكشف مشروع الموازنة الفرنسي، أن باريس ستبذل «جهداً لا سابق له عام 2013، للاقتصاد في النفقات يصل إلى 36.8 بليون يورو، بينها أكثر من 24 بليوناً ستُجمع من زيادة الضرائب». وتأتي هذه القرارات بعد سنتين من إجراءات التقشف، ويُفترض أن «تفضي إلى تحقيق وفر قيمته 60 بليون يورو». لكن تراجع النشاط الاقتصادي يعني بالتالي خفض العائدات الضريبية، وفي فرنسا حيث تقترب ضريبة الدخل من 50 في المئة، لا يمثل السعي إلى توفير 30 بليون يورو سوى 15 بليوناً. وفي حال أصرت الحكومة الفرنسية وحدها على المضي قدماً، سيتراجع الناتج المحلي بنسبة 1.3 في المئة، قياساً على توقعات المرصد الفرنسي. لكن، في حال أصرت كل الدول الأوروبية خصوصاً إسبانيا وإيطاليا على التزام تعهداتها، فسيسجل الاقتصاد الفرنسي انكماشاً نسبته 4.2 في المئة، أي أسوأ من تراجع النشاط الاقتصادي في عزّ أزمة عام 2009 عندما بلغ الانكماش 3.1 في المئة. ورأى الأستاذ في جامعة باري دوفين كريستيان سان إتيان، أن «الأساس بالنسبة إلى فرنسا لا يكمن في تراجع العجز إلى 3 في المئة، بل في استعادة قدرتها التنافسية»، موضحاً أنها «مسألة بقاء». وكان مستوى العجز المستهدف 6.3 في المئة، لكن خبيراً اقتصادياً أوضح أن ذلك «لا يشمل المساعدة المقدمة للمصارف». ولفت إلى أن «عجز الموازنة بلغ 9.4 في المئة من الناتج عام 2011، ارتفاعاً من تقدير سابق نسبته 8.9 في المئة». إلى ذلك، أظهرت وثيقة لموازنة الحكومة الإسبانية، أن الديون «ستصل إلى 90.5 في المئة من الناتج المحلي نهاية عام 2013، بعد أن تسجل 85.3 في المئة نهاية هذه السنة». ولفتت إلى أن «نسبة الديون تتضمن 30 بليون يورو من مساعدة مزمعة بقيمة 100 بليون طلبتها إسبانيا لمصارفها». وتوقعت الخزانة أن تبلغ إصدارات السندات 207.2 بليون يورو العام المقبل، وسجلت 186.1 بليون يورو في موازنة هذه السنة.