صور الأطفال التي تطل علينا في الصباح على صفحات الجريدة ويكتب تحتها طفل تنحره خادمة بالساطور، أصبحت تتكرر، وحين لا يجد الأهالي ما يفسّر لهم هذه الجريمة فهذا يثير رعبهم ويجعلهم يتصورون أنهم بإزاء خطر قد ينتج منه ظلم زائد لحماية أنفسهم. لا يوجد مبرر للتعاطف مع الجريمة أياً كانت دوافعها، لكن معرفة الدوافع من المنبهات التي تحمينا من الجريمة، وخصوصاً تلك الجريمة البشعة: قتل طفل على يد خادمة. عندما تنطلق قصة من الصحافة لتتحول إلى قضية رأي عام فإن الهدف منها هو أن تقودنا لعملية تبصّر قانوني واجتماعي يكافح الجريمة ويحفظ حياة الناس ويمنع ضياع الحقوق، لكن ما يحدث لدينا غالباً أن هناك دائماً طرفاً مداناً هو الخادمات الشريرات اللاتي يسحرن ويقتلن ويهربن ويُقِمن علاقات غير مشروعة مع الرجال. ونشر قصص من نوع خادمة تقتل طفلاً أو تؤذي مخدومتها، لا يؤدي إلا إلى تصلب المخدومين، وإصابتهم بالرعب، واتخاذ الإجراءات كافة التي تحميهم بقفل الأبواب، وزرع كاميرات المراقبة، وتجفيف منابع حياة الخادم، وقطع اتصاله بالعالم الخارجي، وإبقائه سجيناً لأن شبيهه قد قام بجريمة، لكن كيف يمكن أن تحتمي من إنسان توليه جميع أمورك فهو من يطبخ طعامك ويغسل ثيابك ويحمل طفلك وينام معك في المنزل نفسه، بل وأحياناً في غرفة أطفالك على مدى سنوات؟ رأيت نساء متعلمات يضربن خادمتهن وسائقهن بالحذاء أو بملعقة خشب أو ما يتوفر في يدها حين تغضب، وهن لا يجدن في هذا الفعل غضاضة طالما يضربن فلذة أكبادهن أيضاً، والتربية وسيلتها الضرب، والخدم لا يتجاوزون أبداً عمر التربية بل يمكن تربيتهم من جديد، وهن يقمن بهذا الفعل على مرأى من أطفالهن الذين حين يكبرون يقومون بالمهمة نفسها: ضرب الخدم عند أقل سهو، كل شيء في حياة هؤلاء الخدم قابل للاستباحة، جهدهن الذي لا ينقطع طوال النهار، تأخير أو حجز رواتبهن وهن ما جئن إلا لمساعدة عائلاتهن، وزيادة عليها غياب كلمات الشكر الإنسانية البسيطة، وقد عرفت مرة من أحد الذين قاموا بالتحقيق مع خادمة - سممت طفلاً على مدى أشهر حتى مات - أن الخادمة طلبت مراراً من مخدومها أن تعود لموطنها وما من مجيب، فهل قتلت الطفل انتقاماً أم بسبب خلل عقلي أصابها؟ لا تقوم كل خادمة بالفعل ذاته، لكنها حين تقتل طفلاً تصل قصتها للصحف فنرتاع، ولو سكتت سنين وواصلت العمل في ظل ظروف سيئة فإن هذه القصة تظل طي الكتمان. سيدافع كثيرون عن أنفسهم بأنهم أيضاً يقعون في خسائر بسبب هروب خادمة تكلفوا من أجلها آلافاً، لكن السبب ليس هم هؤلاء الخدم الفقراء عديمو المهارات القادمون من مشارب مختلفة عنا والذين يقدمون للعمل من دون شروط، بل هم مكاتب توفير الخدم وغياب الرقابة عليها التي توقع الطرفين الخادم والمخدوم في شرك استغلال ثنائي، لكن هذا ليس مبرراً لأن يتقاتل الطرفان من أجل التسلط على الآخر أو الانتقام منه. بيع مجهود الإنسان في شكل خدمة يحتاج لنظام شديد البأس تنظمه وتراقبه مؤسسات الدولة، لا أن يترك لأخلاق الناس واستغلال حاجتهم ثم ينتج منه قتل أطفال أبرياء. لقد تحول تأمين الخدم لدينا إلى نوع من التجارة لا يهمها سوى الربح بغض النظر في من تتربح، وقد صرنا اليوم نقرأ في الصحف إعلاناً عن بيع خادمة وسائق، ونسمع من يقول إنه اشترى خادمة من مخدوم آخر من دون أن يفطن إلى أنه ينقل عقد عمل معها هو طرف فيه وليس عقد ملكية. للأسف يبدو أن السبب أننا نفهم كل عقودنا مع الطرف الآخر هو عقد ملكية. [email protected]