كاد باراك أوباما وميت رومني أن يقتسما أصوات الناخبين في مطلع هذا الشهر، وجاء المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري ولم يكسب رومني أية أصوات إضافية بعده، ثم جاء المؤتمر الديموقراطي وارتفعت أسهم أوباما بشكل واضح، ففي استطلاع كان يتقدم رومني 49 في المئة إلى 45 في المئة، وفي استطلاع آخر 50 في المئة إلى 44 في المئة (النسبة الباقية للذين لم يقرروا رأيهم بعد). تاريخ انتخابات الرئاسة الأميركية الذي عاصرناه يقول: « إنه لم يحدث أن مرشحاً للرئاسة كان متقدماً في أواسط أيلول (سبتمبر) خسر الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر)، فالاستطلاعات جعلت نيكسون متقدماً عام 1972 وريغان عام 1984 وكلينتون عام 1996 وبوش الابن عام 2004، وجميع هؤلاء فازوا بالرئاسة». رومني يرتكب كل يوم «خطأ اليوم» على طريقة طبق اليوم، ورأيه المهين في 47 في المئة من الأميركيين لن يُنسى ولن يغفر له الذين قصدهم بالإهانة. ربما كان ضغط الاستطلاعات هو الذي جعل المرشح الجمهوري يتسرع في التعليق على انتقاد موقف إدارة أوباما من الهجمات على السفارات الأميركية في مصر وليبيا ودول أخرى، فهو كان يبحث عن قضية ترفع أسهمه فسقط في مكمن صنعه لنفسه. هو قال إن : «بيان السفارة الأميركية في مصر الذي دان إهانة المشاعر الدينية للمسلمين، دليل آخر على ميل باراك أوباما إلى الاعتذار عن أعمال الولاياتالمتحدة، وأضاف أن لا مبرر إطلاقاً لأعمال العنف». الواقع أن بيان السفارة سجَّل أيضاً أهمية صون حرية الكلام كحق عالمي، وأهم من ذلك أن البيان صدر قبل الهجوم على السفارة، ولم يأتِ إطلاقاً نتيجة للهجوم، وأن السفير الأميركي لدى مصر كان في واشنطن، وأن الإدارة بعد الهجوم لم تعتذر عن شيء وإنما دانت المهاجمين بشكل واضح. رومني لم يتراجع عن خطئه أو يسحب انتقاداته، وإنما ترك لمساعديه أن يواصلوا الحملة على السياسة الخارجية لأوباما، ولا أدري إذا كان هؤلاء المساعدون مجانين أو يعتقدون أن الناخبين «هبل»، فقد كان موقفهم ما عبَّر عنه أحدهم، وهو ريتشارد وليامسون، أحد أبرز مستشاري رومني في الشؤون الخارجية، فقد قال: « إنه لو كان رومني رئيساً لما وقعت الاحتجاجات المميتة التي اجتاحت الشرق الأوسط احتجاجاً على الفيلم البذيء عن نبي الله». ما يقول هذا المستشار هو أن الذين استثار الفيلم مشاعرهم الدينية كانوا سيتوقفون، ويتذكرون أن ساكن البيت الأبيض هو ميت رومني لا أوباما أو غيره، وكانوا سيمتنعون عن أية أعمال عنف خوفاً من هذا «الرومني». كل استطلاع للرأي العام أظهر أن غالبية من الناخبين تثق بأداء أوباما في الشؤون الخارجية، وتفضله على رومني الذي لا يعرف من هذه السياسة سوى حلفه مع مجرم الحرب بنيامين نتانياهو. ورومني في موقف أقوى لتحدي أوباما في موضوع الاقتصاد مع استمرار الأزمة المالية الأميركية والعالمية، إلا أن موقفه من الاقتصاد غير واضح والسناتور جون كيري سخر منه في مؤتمر الديموقراطيين فنصحه قبل أن يناقش أوباما على التلفزيون في موضوع الاقتصاد أن يناقش نفسه ليقرر أي سياسة اقتصادية سيتّبع. وقرأت أن رومني، بعد فشل موقفه من الهجمات على السفارات الأميركية، قرر أن يعود للتركيز على الاقتصاد. أوباما سيقول: «إنه نصير الطبقة المتوسطة والفقراء، وإن رومني يريد استمرار الإعفاءات الضريبية للأثرياء»، وهو كلام صحيح إلا أن الشؤون الخارجية تبقى النقطة الأقوى في حملته فقد سحب القوات الأميركية من العراق وبدأ سحبها من أفغانستان ونجح في الوصول إلى أسامه بن لادن وقتله. وهو يريد أن يكون شريكاً مع الدول الأخرى حول العالم، لا أن يقود هذا العالم، وهذا ما فعل تماماً في ليبيا، فبعد أن أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يكلف حلف الناتو بذل كل جهد ممكن لحماية المدنيين الليبيين ترك أوباما بريطانيا وفرنسا تقودان الحملة ضد نظام القذافي، فيما الولاياتالمتحدة تبذل جهداً مسانداً. أوباما لا يريد بطولات فارغة تزيد من ضعف بلاده الاقتصادي والعسكري، لذلك يردد أنصاره شعاراً يمكن أن أترجمه إلى العربية مع حفظ الوزن هو «مع أوباما ما في دراما». [email protected]