قللت جماعة الإخوان المسلمين في مصر من شأن الخلافات بين التيار الإسلامي والليبراليين بخصوص وثيقة الدستور التي تعكف الجمعية التأسيسية للدستور على كتابتها، والتي فجرتها استقالة عضو الجمعية منال الطيبي بسبب ما اعتبرت أنه محاولات من التيار الإسلامي للاستئثار بكتابة الدستور. وانتقدت الجماعة تحرك المرشحين السابقين لرئاسة الجمهورية عمرو موسى وحمدين صباحي ورئيس «حزب الدستور» الدكتور محمد البرادعي ل «التصدي لهيمنة فريق واحد على كتابة الدستور»، معتبرة أن اللقاء الثلاثي الذي عقدوه واتفقوا خلاله على التنسيق في هذا الصدد «افتعال للأزمات». وقال الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمود غزلان ل «الحياة» إن «الدستور اكتملت كتابته، ولم يتبق إلا بعض الصياغات التي تسير في طريق التوافق». وتمثل المادة الثانية من الدستور، الخاصة بالشريعة الإسلامية، محور الخلاف بين الإسلاميين والليبراليين داخل الجمعية، فضلاً عن بعض المواد في شأن الحريات العامة وخصوصاً المتعلقة بالصحافة، إذ يرفض الليبراليون أي تعديل على المادة الثانية في الدستور التي تقول إن: «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع»، فيما يصر الإسلاميون على حذف كلمة مبادئ أو النص على أن الأزهر هو صاحب المرجعية في هذا الصدد. وتدخل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لحل الخلاف عبر لقاءات منفصلة مع ممثلي التيارين في محاولة لحلحلة الأزمة التي تفاقمت بعد تهديد أصوات ليبرالية ضمن أعضاء الجمعية بالانسحاب منها ودعوة ممثلي التيار المدني لتركها. واجتمع مساء أول من أمس، موسى وصباحي والبرادعي في حضور شخصيات سياسية محسوبة على التيار المدني لمناقشة الأمر. وقال رئيس حزب «غد الثورة» الدكتور أيمن نور ل «الحياة» إن: « اللقاء كان تنسيقياً بالأساس، مشيراً إلى أهميته إذ إنه الأول الذي يعقد على هذا المستوى». وأضاف: «الحديث تناول الأوضاع العامة، وما انتهينا منه في الجمعية التأسيسية للدستور وما لم ننته منه، والانزعاج من بعض المواد المتعلقة بالحريات، وتحدثنا في موضوع النظام الانتخابي والتنسيق للاتفاق على نظام أمثل، ولم نحسم الأمر، لكن الاتجاه العام كان تفضيل القائمة الحزبية». وأوضح أن المجتمعين اتفقوا على استمرار التواصل من أجل «التنسيق للتصدي لمحاولات الاستئثار على كتابة الدستور». وأوضح نور أنه تم الاتفاق على عقد مزيد من اللقاءات في المرحلة المقبلة، معتبراً أن اللقاء بداية لتوحيد القوى المدينة. ورغم نفي مصادر مقربة من صباحي تناول موضوع التنسيق الانتخابي بين الكيانات الثلاثة، إلا أن نور لم يستبعد ذلك الأمر. وقال: «كل شيء وارد، والحديث في هذا الأمر سابق لأوانه». وقلل الدكتور محمود غزلان من شأن الأزمة حول الدستور، معتبراً أنها «مفتعلة». وقال ل «الحياة»: «لم تحدث أي استقالات في الجمعية إلا من عضو واحد، وهذا لا يعني أن الجمعية تواجه مأزقاً». وأوضح أن مشكلة المادة الثانية من الدستور سببها «تفسير المحكمة الدستورية كلمة مبادئ الشريعة، إذ أقرت بأنها ما ثبت بنصوص قطعية الدلالة، والثبوت وهي نصوص قليلة جداً، ومعنى ذلك أن كل ما عدا ذلك وهو الأغلب والأعم لا يُؤخذ به، ولا يطبق، فالبعض اعترض وطلب حذف كلمة مبادئ وآخرون اعترضوا، فطلب إسلاميون بأن يكون الأزهر مرجعية في قضية الشرعية، وافق الليبراليون ثم عادوا ورفضوا هذا النص، فوافق الإسلاميون شرط النص على عدم سن تشريع يخالف الشريعة الإسلامية، فوافق الليبراليون ثم عادوا ورفضوا، والأمور تسير في ناحية التوافق، ولا وجود لأزمة مستحكمة تهدد كيان الجمعية». وأضاف: «انهيار التوافق أماني من يريدون للجمعية الحل، وأقول: الدستور اكتمل ولم يتبق إلا بعض الصياغات وملاحظات على الصياغات وتحسينها، وفكرة حل الجمعية غير وارد». وعلق على لقاء موسى والبرادعي وصباحي بأنه «افتعال للأزمات». وقال: «الخلافات حول الدستور زوبعة في فنجان تثور ثم تهدأ». في غضون ذلك، دعا رئيس حزب «مصر الحرية» الدكتور عمرو حمزاوي إلى «التواصل» مع المؤسسات الدولية من أجل ضمان إجبار التيار الإسلامي على كتابة دستور توافقي يتماشى مع التزامات مصر الدولية. وقال حمزاوي ل «الحياة» إن الأمر «ليس دعوة للتدخل الدولي، ولكن الدساتير لا تكتب في سياق محلي فقط، ويجب التواصل مع المؤسسات الدولية المعنية مثل البرلمان الأوروبي والمجلس الدولي لحقوق الإنسان، لأن مسألة كتابة الدستور أكبر من الصراعات بين القوى السياسية، وهو أمر مرتبط بالأساس بالمواثيق الدولية التي وقعتها مصر». وأوضح حمزاوي أن لقاء البرادعي وموسى وصباحي مهم، مشيراً إلى أن من بين الأفكار التي اقترحت «التحرك الجماهيري والعمل على الأرض لتوعية الناس بأهمية موضوع الدستور»، وتم طرح انسحاب المعنيين بحقوق الإنسان والمواطنة في حال خرجت عملية كتابة الدستور عن السياق. في غضون ذلك، أكد قرابة 1500 قاض وعضو نيابة عامة خلال اجتماعهم في دار القضاء العالي أمس رفضهم بالإجماع محاولات دمج بعض الهيئات القضائية في القضاء الطبيعي، في إشارة إلى القضاء العسكري، وكذلك رفضهم المطلق لمقترح إنشاء النيابة المدنية، محذرين من خطورة تلك المقترحات «التي يسعى بعضهم إلى فرضها في باب السلطة القضائية في مشروع الدستور المقترح من خلال الجمعية التأسيسية للدستور، لما لذلك من إضرار بمسيرة العدالة وتعطيل الفصل في القضايا».