يدخل الأزهر في مصر مجدداً على خط أزمة الخلافات التي تعانيها الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور الجديد، إذ يلتقي شيخ الأزهر أحمد الطيب اليوم وفداً من قيادات الكنيسة القبطية للخروج بتوافق في شأن المواد الخلافية، لا سيما المادة الثانية المتعلقة بالشريعة والتي يرغب السلفيون في تعديلها، فيما رفض الرئيس محمد مرسي الدعوات إلى إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لضمان تمثيل متوازن للتيارات المختلفة، عازياً الرفض إلى «عدم التدخل في أعمال الجمعية». يأتي ذلك في وقت بات واضحاً أن القضاء لن يفصل في مصير الجمعية التأسيسية قريباً وأنها مستمرة إلى حين إنجاز مهمتها، إذ ستعقد المحكمة الإدارية اليوم جلسة كانت محددة سلفاً للنظر في طلب تقدم به محامو جماعة «الإخوان المسلمين» لرد هيئة المحكمة التي تنظر في طلبات حل الجمعية، لكن هذه الجلسة لن تكون ذات معنى بعدما تنازل محامو «الإخوان» عن طلبهم. وقال محامي «الإخوان» عبدالمنعم عبدالمقصود ل»الحياة»: «رأينا أن طلبنا رد المحكمة لم يعد له معنى، إذ إن المعمول به في العرف القضائي هو تغيير هيئات المحاكم مع بدء السنة القضائية الجديدة المقرر له مطلع تشرين الأول (أكتوبر) المقبل». وأوضح أن «هيئة جديدة غير تلك التي كانت تنظر في القضية ستبدأ في 2 تشرين الأول المقبل النظر في القضية»، متوقعاً إرجاء النظر في طلبات حل التأسيسية إلى تشرين الثاني (نوفمبر)المقبل. وكانت الجمعية التأسيسية سعت إلى إثناء أعضاء ينتمون إلى التيارين الليبرالي واليساري عن قرارهم بالانسحاب من تشكيل الجمعية، بعدما استجابت طلبهم تشكيل هيئة استشارية تضم عشرة أعضاء أبرزهم المفكر القانوني أحمد كمال أبو المجد والروائي علاء الاسواني وأستاذ القانون الدستوري ثروت بدوي، إضافة إلى استبدال خمسة أعضاء ينتمون إلى التيار الإسلامي كانوا تقدموا باستقالتهم من عضوية التأسيسية بأعضاء من القائمة الاحتياطية ينتمون إلى قوى ليبرالية ويسارية. وبدا أن تلك المساعي أتت ثمارها، إذ أعلن الخبير القانوني جابر نصار وهو كان ضمن المنسحبين، عودته ومعه آخرون إلى أعمال الجمعية بعد الاستجابة لطلباتهم. لكن تلك المساعي لم تخف وراءها خلافات حادة بين الأعضاء المنتمين إلى التيار الإسلامي وغيرهم. وحذر الناطق باسم الجمعية التأسيسية وحيد عبدالمجيد من «خطورة مادتين مقترحتين في باب الحريات مازالتا محل جدل وخلاف شديدين». ورأى أن «المادتين تهددان حرية الصحافة وقد تؤديان إلى تشريد العاملين في المؤسسة الصحافية بالكامل إذا ما ارتكب أحد الصحافيين مخالفة أو خطأ مهنياً». وأوضح أن «إحدى المواد المطروحة في الدستور الجديد تحول دون إلغاء عقوبة الحبس في قضايا الرأي والنشر والتعبير في أكثر من 30 مادة في قانون العقوبات خاصة بالصحافيين وبنقابتهم وبسلطة الصحافة»، لافتاً إلى أنها «تؤدي إلى توقيع عقوبة جماعية في حال الخطأ الفردي». وأضاف أن «المادة الثانية المطروحة في باب الحريات تفتح المجال أمام عقوبة وقف الصحف رغم أن القانون المصري لم يعرف في تاريخه نصاً يجيز عقوبة وقف صحيفة بل وتجيز هذه المادة أيضاً إعادة العمل بمادة التعطيل الموقت للصحف الذي ألغي العام 2006». واستنكرت «الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان» استمرار «الهجوم على مكتسبات الطفل» في مشروع الدستور، «وظهور اقتراحات غريبة وغير منطقية داخل لجنة صياغة الدستور». وأكد رئيس الجمعية محمود البدوي أن «الاقتراحات التي تنادي بتخفيض سن الرشد من 18 سنة إلى 16 سنة والعبث بسن الزواج وتخفيضه إلى 9 سنوات وتخفيض سن حضانة الأم لطفلها إلى 7 سنوات للولد و9 سنوات للبنت تخالف نصوص الاتفاق الدولي لحقوق الطفل». وطالب الرئيس محمد مرسي ورئيس الحكومة هشام قنديل «باتخاذ إجراءات فاعلة تجاه قضايا الطفل المصري الذي أصبح الملف الخاص به يدار بهذه الطريقة العبثية». وفي وجه الخلافات الحادة في شأن مواد الحقوق والحريات، ناهيك عن محاولات التيار السلفي إجراء تعديلات على المادة الثانية من الدستور المتعلقة بالشريعة الإسلامية، يلتقي شيخ الأزهر اليوم وفداً من الكنائس المصرية للبحث في «تنسيق الرؤى بالنسبة إلى مشروع الدستور الجديد»، فيما أفيد أن اتصالات تجري بين رؤساء الأحزاب الليبرالية واليسارية المشاركة في عضوية التأسيسية للخروج برؤية موحدة في مواجهة مساعي الإسلاميين. ونفى الأزهر في بيان له أمس أن يكون لقاء الطيب بوفد الكنائس المصرية من اجل التحالف مع الأزهر لمواجهة السلفيين، مشدداً على أن الأزهر لا يتحالف مع أي فصيل، ولا يواجه أي تيار، وإنما يعمل في إطار جامع سعياً وراء المصالح الوطنية العليا، وأوضح البيان أن الأزهر الشريف باعتباره مؤسسة وطنية مصرية إسلامية رائدة، يستقبل جميع ألوان الطيف السياسي والفكري والثقافي من كل التيارات وأن استقبال وفد الكنائس المصرية يأتي ضمن برنامج لاستقبال أعضاء الجمعية التأسيسية من التيارات والاتجاهات المختلفة للتشاور والتوافق حول بعض المواد التي يثار حولها الخلاف في المجتمع. وكان رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي طالب أمس بتشكيل لجنة تأسيسية جديدة لكتابة الدستور لا يهيمن عليها تيار معين. وقال في معرض تعليقه على حكم زوال البرلمان الذي صدر أول من أمس أن «الخطوة التالية هي تكوين لجنة تأسيسية متوازنة»، الأمر الذي رد عليه ضمناً الرئيس مرسي في حوار تلفزيوني بتأكيد رفضه «التدخل في أعمال التأسيسية». وقال مرسي في معرض إجابته عن سؤال: «أنا لا أتدخل في وضع الدستور. الجمعية التأسيسية بمكوناتها المختلفة حتى الآن تقوم بهذا الدور في وضع المسودة الأساسية التي سيجري عليها حوار مجتمعي واسع ثم يُتفق على شكل نهائي لهذه المسودة من الجمعية بحرية تامة ثم يكون هذا مشروع الدستور الذي يعرض على الشعب للاستفتاء فإذا أقره أصبح دستوراً واجب الاحترام فما يأتي به هذا الدستور أنزل عليه واحترمه وأطبقه حتى يتحقق مفهوم الدولة الدستورية». وقطع على نفسه سلسلة من التعهدات بينها «رعاية التحول الديموقراطي». واعتبر تداول السلطة «مسؤوليتي»، كما تعهد أن تكون الدولة المصرية «دولة مدنية وطنية ديموقراطية دستورية»، وتوعد «الفاسدين»، متعهداً القضاء التدريجي على الفساد في الجهاز الإداري للدولة، كما وعد بتأسيس علاقات متوازنة مع كل دول العالم. ويتوجه مرسي فجر اليوم إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقالت ل «الحياة» مصادر رئاسية إن مرسي قد يلتقي نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد على هامش الاجتماعات الأربعاء، فيما قال بيان رئاسي إنه سيعقد في نيويورك مجموعة من اللقاءات مع قادة وزعماء. من جهة أخرى، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة أمس حكماً ثانياً يؤكد زوال مجلس الشعب المنحل بقوة القانون اعتباراً من تاريخ انتخابه استناداً إلى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية ببطلان نصوص القانون التي انتخب المجلس على ضوئها، كما أكدت أحقية أعضاء الحزب الوطني المنحل في الترشح لأي انتخابات «لأنه لم يثبت تخلف أي شرط من شروط الترشح في حقهم». وأشارت المحكمة إلى أنه «لا يجوز عزل أي مواطن من العمل السياسي أو حرمانه من ممارسة حق من الحقوق العامة كالحق في الترشيح لعضوية أي مجلس تشريعي إلا إذا توافر في حقه سبب يوجب ذلك وفقاً لنص قانوني واجب التطبيق وهو الأمر غير الوارد في أي من التشريعات المطبقة حالياً».