إنه اللغز نفسه: من قتل غريغوري؟ فلا الإعلان عن وصول عدد العاطلين من العمل إلى ثلاثة ملايين ولا خطاب الرئيس فرنسوا هولاند في الأممالمتحدة، ولا شبح الأزمة المالية، ولا زيادة الضرائب، ولا أي شيء آخر استطاع أن يشغل الفرنسيين في هذه الأيام مثلما استطاع «لغز غريغوري» المتواصل منذ 28 سنة بعدما أعلنت السلطات القضائية إعادة فتح الملف وإجراء اختبارات الحمض النووي ومقارنة الأصوات المحفوظة رقمياً. ويعود «لغز غريغوري» إلى عام 1984 عندما اكتشف جان - ماري فيلمان وزوجته كريستين جثة طفلهما غريغوري (4 سنوات) موثوقة اليدين والرجلين في بركة ماء قرب منزلهما في قرية بشرق فرنسا، ليبدأ منذ تلك اللحظة أغرب مسلسل قضائي ليس في فرنسا فحسب، بل ربما في العالم. فمنذ اليوم التالي للجريمة توالت المفاجآت: رسالة تصل إلى والد غريغوري يقول فيها صاحبها: «أتمنى أن تموت من الحزن. ليست أموالك هي التي ستعيد لك ابنك. هذا هو انتقامي أيها الأبله». ثم اتهام برنار لاروش، نسيب عائلة فيلمان وجارها، بالجريمة ومقتله لاحقاً على يد والد غريغوري. وبعد ذلك، اتهام الوالدة كريستين وسجنها، ومحاكمة والد غريغوري لقتله لاروش وسجنه خمس سنوات. ولاحقاً، تبرئة الوالدة كريستين، ثم كف يد قاضي التحقيق. اختفاء أدلة أساسية، وإعادة فحوص الحمض النووي وتحاليل الأصوات . ولعلها من الصدف أن يقترن الإعلان عن إعادة فتح ملف غريغوري الذي لم يقل القضاء فيه كلمته النهائية مع إعلان قضائي آخر يطلب شهوداً في جريمة عمرها 25 سنة ويشبه لغزها إلى حد ما «لغز غريغوري». ففي 11 آب (أغسطس) 1987 عثر عمال طرق على حافة الطريق السريع الرقم 10 في وسط فرنسا على جثة طفلة تبلغ من العمر بين 3 و5 سنوات ماتت تحت التعذيب. ولم تصل التحقيقات، على رغم كثافتها، إلى أي نتيجة، خصوصاً في شأن هوية الطفلة التي ظلت مجهولة، مع ترجيح كونها من أصول مغاربية. واستدعى الأمر استقصاءات شملت 66 ألف مدرسة في فرنسا، والاتصال بستة آلاف طبيب، وجميع العاملات في المساعدة الاجتماعية، وتوزيع 27 ألف صورة للضحية، والتدقيق في سجلات نفوس مئة ألف شخص مولودين بين 1981 و1985. ومع ذلك ظلت «شهيدة الطريق السريع 10»، كما يسمونها، لغزاً، في موتها كما في حياتها.