دفع الوضع الأمني المتدهور في العراق رئيس الحكومة نوري المالكي إلى الاستعانة بخبرات الضباط المسرحين الذين خدموا في عهد النظام السابق لضبط الوضع، خصوصاً في المناطق السنية من البلاد، في خطوة تحمل أبعاداً سياسية ومذهبية تنطلق من التوازن الهش الذي يحكم العلاقة بين مكونات المجتمع. وفي نهاية أيار (مايو) الماضي دعا المالكي إلى تشكيل لجنة لإعادة ضباط الجيش السابق إلى الخدمة بهدف المساهمة في إعادة الاستقرار إلى بلاد تعيش على وقع الصراعات والحروب منذ عقود. وباشرت لجان تابعة لوزارة الدفاع استقبال طلبات الضباط الراغبين في العودة، وأعلن وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي اكتمال إجراءات العودة للوجبة الأولى في محافظة نينوى. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حميد فاضل إن مبادرة المالكي جاءت كونه «في حاجة إلى خبرة هؤلاء الضباط في تحقيق الأمن، خصوصاً في المناطق ذات الغالبية السنية». وأضاف أن «الهدف السياسي هو الغالب على الهدف الأمني في هذه المبادرة» لأن المالكي «يطمح إلى تقديم مشروع وطني يتعدى حدود الطائفة الواحدة في انتخابات عام 2014 «. وجاءت دعوة رئيس الوزراء في مرحلة شهدت تصاعداً ملحوظاً في أعمال العنف اليومية المستمرة منذ إسقاط نظام صدام حسين قبل نحو تسع سنوات، والتي تستهدف خصوصاً القوات الأمنية والعسكرية وقد قتل فيها عشرات الآلاف. وإلى جانب أعمال العنف، أتت هذه المبادرة في أوج أزمة سياسية بدأت مع انسحاب القوات الأميركية نهاية العام الماضي، وتقوم خصوصاً على اتهامات للمالكي بالتفرد بالسلطة وإقصاء المكونات الأخرى، وبينها السنة. وقال الرائد سعدون مجيد العجيلي، وهو احد ضباط الجيش المنحل إن «المبادرة إيجابية وضرورية في هذه المرحلة لاستثمار خبرات الضباط السابقين لحفظ استقرار وكرامة البلاد». ورأى عضو مجلس محافظة ديالى التي تسكنها غالبية سنية عدنان زيدان أن «موجة الانتفاضات التي تجتاح الدول العربية الواحدة تلو الأخرى وإمكان وصولها إلى العراق تتطلب اتخاذ تدابير» إضافية. وتابع انه «رغم ذلك، فإن مبادرة رئيس الوزراء جيدة وفي وقتها المناسب لأن البلد في حاجة ماسة إلى خبرات الجيش السابق». وأكد العميد زياد مالح، وهو احد المسؤولين عن استقبال طلبات العودة إلى الجيش في محافظة ديالى، تلقي «اكثر من 950 طلباً واستمرار ضباط آخرين بالتوافد للغرض نفسه». وكان الحاكم الأميركي بول بريمر الذي تولى إدارة البلاد بعد اجتياحها عام 2003، أمر بحل الجيش السابق في أيار (مايو) من العام نفسه. والجيش العراقي الذي تأسس في كانون الثاني (يناير) 1921 باسم «لواء موسى الكاظم» يضم اليوم نحو 300 ألف عسكري. وبعيد الانسحاب الأميركي، ألقيت شكوك حول قدرة هذا الجيش على حفظ امن البلاد وحدودها، خصوصاً بعدما اعلن رئيس الأركان الفريق بابكر زيباري أن القوات العراقية لن تكون قادرة تماماً على تولي الملف الأمني قبل 2020. وقال ضابط سابق برتبة عقيد في تكريت، مركز محافظة صلاح الدين ذات الغالبية السنية، إن «الضغوط السياسية هي التي دفعت رئيس الوزراء للبحث عن أمور تساعد على تحقيق المصالحة الوطنية، وبينها إعادة الضباط السنة للخدمة. وإلا لماذا دعا إلى ذلك بعد هذه السنوات الطويلة على رغم الحاجة التي كانت مستمرة لهم ومع اقتراب موعد الانتخابات وتعالي أصوات أحزاب سياسية طالبت بسحب الثقة من حكومته». وقال الرائد كريم الجبوري، وهو احد ضباط الجيش السابق في محافظة نينوى، إن مبادرة رئيس الوزراء «لا تتعدى الحبر على الورق وتسعى إلى تحقيق أهداف انتخابية وسياسية». وأضاف «سبق أن قدمت ثلاث طلبات للعودة لكن من دون جدوى، ولن يكون الأمر حقيقة بالنسبة إلي إلا بعد تنفيذه فعلياً». يذكر أن عدداً محدداً فقط من ضباط الجيش السابق عادوا إلى الخدمة في وزاراتي الدفاع والداخلية خلال الأعوام الماضية. وفيما رأى النائب خالد الأسدي المنتمي إلى التحالف الوطني أن مبادرة رئيس الوزراء «إيجابية»، قال النائب عن القائمة «العراقية» المعارضة التي تضم ابرز الشخصيات السنية حامد المطلك إن «الدعوة تبدو غير جادة». وزاد المطلك، وهو احد أعضاء لجنة الأمن والدفاع في البرلمان «من المؤكد أن رئيس الوزراء يطمح إلى أن يكون مؤثراً في المناطق السنية عبر استثمار كل إجراء يتخذه للحصول على دعم المكوّن السني له».