فيما جدد رئيس «المجلس الوطني السوري» المعارض عبدالباسط سيدا من روما تأكيده أن المعارضة السورية تعمل على تشكيل حكومة انتقالية تضم كل أطياف المعارضة، وتمثل الحركات الثورية على الأرض، ما زال من غير الواضح درجة الخلافات أو التنافس بين تنظيمات المعارضة الموجودة في تركيا والأردن وفرنسا، في وقت تتدهور الأوضاع الإنسانية على الأرض. ويقول ناشطون إن ممثلي المعارضة الذين سيحضرون لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع، سيكون أمامهم تحدي إثبات أن المعارضة السياسية وعلى الأرض يمكن أن تحقق مستوى أفضل من التنسيق. وفيما اعتبر سيدا أن النزاع في سورية «بلغ حداً بالغ الخطورة» من شأنه التسبب ب «وضع كارثي ومزيد من التطرف في الدول المجاورة»، حذر ناشطون على الأرض من أن عدم دعم المعارضين ميدانياً يجعل التحركات السياسية بلا تأثير حقيقي، مشيرين إلى أن المقاتلين على الأرض يحاولون التنسيق وتوحيد الكتائب المختلفة من دون انتظار الهيئات السياسة. وحتى الوقت الذي اقتحمت فيه القوات السورية ضاحية داريا في دمشق الشهر الماضي، كان المعارضون المسلحون يديرون شؤون البلدة التي تقطنها الطبقة العاملة في استعراض للوحدة على مستوى القاعدة الشعبية يستعصى على خصوم الرئيس بشار الأسد تحقيقه على المستوى الوطني. وعكس الحكم الذاتي الوليد في داريا صورة لاستعدادات في مختلف البلدات بأنحاء سورية، خصوصاً الأحياء الريفية الشمالية التي خرجت عن سيطرة النظام خلال الانتفاضة المستمرة منذ 18 شهراً. ويقول صالح ناصر وهو ناشط ساعد في إنشاء إدارة مدنية بجانب المعارضين المسلحين للإشراف على الأمن والخدمات البلدية «رأس قضاة مستقلون المحكمة وتولى المعارضون المسلحون مهام الشرطة... داريا هددت بأن تصبح نموذجاً بديلاً متحضراً» للنظام. وقال زعماء في المعارضة وديبلوماسيون يتابعون الانتفاضة إن ذلك التنسيق المحلي - الذي تشكل حول معارضة مسلحة تحولت من خلايا قتالية صغيرة محكمة إلى وحدات أكبر في البلدات والمدن - فشل في التحول إلى هيكل تنظيمي يقدم بديلاً على المستوى الوطني لحكم النظام. لكن، مع فشل المعارضة المنقسمة في المنفى في الحصول على اعتراف دولي واكتساب بعض المدن التي يسيطر عليها المتمردون، درجة من الحكم الذاتي تبدي القوى الغربية اهتماماً متزايداً بزعماء المعارضة المسلحة على الأرض. وتتألف في الغالب الجماعات المحلية التي تحمل أسماء مثل «مجلس قيادة الثورة» من متمردين مسلحين وشخصيات مدنية تضم أساتذة جامعيين وأطباء ومحامين كانوا في طليعة الحركة الاحتجاجية قبل أن تتحول إلى ثورة مسلحة. ويقول الديبلوماسيون المتابعون إن هذه المنظمات الشعبية أكثر تماسكاً من المجموعات العسكرية التي شكلها ضباط الجيش الذين انشقوا وفروا إلى تركيا أو الأردن مثل «الجيش الوطني» الذي أعلن عنه في الآونة الأخيرة بقيادة محمد الحاج علي أكبر ضابط منشق عن الجيش. وقال ديبلوماسي غربي يراقب العسكرة المتزايدة للانتفاضة إن ضباط الجيش خارج سورية - مثل محمد الحاج علي ومناف طلاس وهو أحد المقربين السابقين للرئيس السوري بشار الأسد وعميد في الحرس الجمهوري انشق في تموز (يوليو) - ليس لديهم نفوذ كبير على المعارضين المسلحين. وجاء انشقاق طلاس متأخراً أكثر من اللازم بعض الشيء. وقال الديبلوماسي إن المقاتلين لا يميلون لإبداء احترام كبير للضباط الذين يقيمون في المنفى ويبدو أنهم أكثر اهتماماً بالترويج لأنفسهم. وأوضح: «الناس لا يريدون أيضاً ديكتاتوراً آخر من الجيش». بدلاً من ذلك تحسن مجموعات المعارضين المسلحين المتباينة داخل البلاد التنسيق في ما بينها تدريجاً كما يتضح في الهجمات المتزامنة في الآونة الأخيرة على المطارات العسكرية. وقال الديبلوماسي: «إنه يجري ببطء. السيناريو المرجح هو أن يستمر تطور تنظيم المعارضة في الداخل وقد تتمكن قبل انهيار النظام من الجلوس معاً في شكل مؤتمر وطني ما لمنع تحول البلاد إلى إقطاعيات». وكان فواز تللو وهو معارض مخضرم قال إنه فات أوان إنشاء قيادة موحدة للانتفاضة وإن أقرب أمل ممكن هو تعزيز التنسيق بين القوى المختلفة. ويقول تللو وهو على اتصال وثيق بالمعارضين المسلحين في دمشق إن هناك هيكلاً فضفاضاً يظهر في جميع أنحاء البلاد يشكل في ظله المعارضون المسلحون مجالس مع مسؤولي اتصال مدنيين وينسقون داخل مجموعات أكبر. وأضاف: «دعونا نكف عن خداع أنفسنا»، مضيفاً أنه إذا طلب من أي سياسي إعطاء خريطة سياسية وعسكرية للقوات على الأرض سيستحيل عليه فعل ذلك وأن هذه المجموعات المسلحة تتغير وتتأثر بتغيير مصادر التمويل. وتابع أن الدول التي تلعب دوراً في تمويل المعارضة المسلحة أو تمرير الأسلحة إليها يمكن أن تلعب دوراً أكبر في لم شمل المعارضة في الداخل. وقال آفاق أحمد وهو أحد عناصر الاستخبارات الذين انشقوا عن الاستخبارات الجوية، إن ظهور جنرال قوي لقيادة المعارضة المسلحة أمر غير مرجح لأن الأسد همش ضباط الجيش من الغالبية السنّية. وأضاف أنه يتعين على المعارضة التركيز على اجتذاب ضباط الجيش المحترفين من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد وتهيمن على القوات المسلحة والذين قد يكونون غير راضين عن الحملة ضد الانتفاضة لكنهم يشعرون بالقلق من الأسلمة المتزايدة للانتفاضة. وقال: «يجب على المعارضة إبراز نفسها باعتبارها حركة وطنية وألا تسمح للإسلاميين باختطافها».