تقترب ولاية باراك أوباما الأولى من نهايتها فقد دخلت الأسابيع الأخيرة منها، وأستطيع أن أقول إنه لم ينفذ شيئاً من وعوده للعرب والمسلمين، ومن مواقفه المعلنة إزاء القضية الفلسطينية، بل ربما زعمت أنه قال شيئاً ونفذ نقيضه. سمعته يقول في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2010: «عندما نعود السنة المقبلة قد يكون هناك اتفاق يؤدي إلى عضو جديد في الأممالمتحدة، فلسطين مستقلة ذات سيادة تعيش بسلام مع إسرائيل.» وعدنا إلى الجمعية العامة في الشهر نفسه من 2011 وحاربت الولاياتالمتحدة طلب السلطة الوطنية عضوية فلسطين التي توقعها أوباما ووعد بها، واستعملت الفيتو في مجلس الأمن لإفشال الطلب الفلسطيني. ما سبق معلومات لا مجال لأي جدل حول صحتها، غير أنني أخلص منها إلى رأي يجعلني أؤيد عودة أوباما إلى البيت الأبيض، وأرجح أن يعمل في ولاية ثانية لتنفيذ ما وعد به، وما فشل في تنفيذه. وأكتب الأحد وأنتظر أن أسمع أي موقف سيتخذ من القضية الفلسطينية هذه المرة. رأيي أن باراك أوباما كان صادقاً في مد يده إلى العرب والمسلمين. وأن عصابة الشر والحرب الأميركية منعته من تنفيذ ما قال في خطابه المشهور في القاهرة قرب بداية حزيران (يونيو) 2009. ثم أن الفلسطينيين لم يساعدوه أبداً بخلافاتهم المستمرة وانقسامهم بين قيس ويمن. عصابة الشر والحرب تتألف من لوبي إسرائيل ومحافظين جدد غالبيتهم من اليهود الأميركيين الليكوديين، وتحالف الصناعة والعسكر الذي حذر منه دوايت ايزنهاور يوماً. غالبية يهود أميركا ليبرالية وسطية انتخبت باراك حسين أوباما وستنتخبه مرة أخرى، أما اليمين المتطرف فجناح الأقلية وولاؤه لإسرائيل، على حساب المصالح الأميركية، فاتهمه بالخيانة وبعضّ اليد التي أطعمته، ثم أطلب من القارئ العربي أن يدرك أن غالبية اليهود الأميركيين ليسوا كذلك. اختار من تحقيق كتبه سكوت ولسون ونشرته «واشنطن بوست» في منتصف الشهر الماضي المعلومات التالية على سبيل تذكير القراء: - في 13/7/2009 اجتمع حوالى 12 زعيماً يهودياً أميركياً، كلهم ولاؤه لإسرائيل، مع أوباما فحدثهم عن ضرورة وقف المستوطنات. - في أيار (مايو) 2010 اجتمع 37 عضواً من الحزبيين في مجلس الشيوخ والنواب مع أوباما وأعلنوا دعم إسرائيل، وعارضوا تركيزه على المستوطنات. - في حزيران (يونيو) الماضي اجتمع أوباما مع عدد من الحاخامات الأرثوذكس الأميركيين واليهود الأميركيين الآخرين. كان أوباما يصر على وقف بناء المستوطنات، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون تحدثت عن وقفها كلها لا بعضها، أو مواقع غير شرعية، ومعها «النمو الطبيعي» للموجود منها. غير أننا وصلنا إلى أيلول الماضي، فإذا بأوباما يلقي خطاباً في الجمعية العامة لا يذكر الاحتلال أو المستوطنات، وإنما يقول: «السلام عمل صعب» فهذا كل ما تعلمه بعد أكثر من ثلاث سنوات في البيت الأبيض. يصعب على أي رئيس أن يخدم بلاده ومصالحها إذا كان جزء من مواطنيها يدين بالولاء لبلد آخر، فاشستي عنصري محتل، وإذا كان المشترعون باعوا أنفسهم لمثل هذا البلد المخترع (ثمة أوجه شبه كثيرة بين أوباما والرئيس ميشال سليمان على أساس هذه المعادلة). اعتذر للقارئ عن التكرار في نقطة أراها مهمة جداً، فقد أشرت قبل أسابيع في هذه الزاوية إلى أن الرئيس الأميركي وعد الرئيس الروسي (في حينه) ديمتري ميدفيديف بأن يكون أكثر مرونة في التعامل مع روسيا في ولايته الثانية. ولم أكن أحتاج إلى ميكروفون مفتوح يبث كلمات خاصة قيلت همساً لتأكيد رأيي أن أوباما سيكون حراً من ضغوط اللوبي والانتخابات في ولايته الثانية، وأنه سيكون قادراً على تنفيذ ما وعد به في ولايته الأولى وعجز عن تنفيذه. هذا أيضاً رأي عصابة الشر والحرب الليكودية في أميركا، أو الطابور الخامس الإسرائيلي، فرموز العصابة يدفعون مئات ملايين الدولارات لحملة منافسه ميت رومني، وإعلامهم المتطرف يهاجمه كل يوم، ويبث عنه أكاذيب وخرافات وإشاعات. وحزبه اضطر خلال مؤتمره الوطني في شارلوت إلى إعادة عبارة «القدس عاصمة إسرائيل» بعد أن جعل الجمهوريون منها قضية ديموقراطية أو فضيحة. باراك أوباما ذكي جداً، أستاذ جامعي، وقارئ نَهِم، ولا بد أنه يعرف خصومه جيداً، وينتظر فرصة للرد، فيبقى ما يسميه الأميركيون «مفاجأة أكتوبر»، أو حدث غير متوقع يقلب المعادلة الانتخابية، ولا أستبعد أن يحاول الإرهابي بنيامين نتانياهو جر الولاياتالمتحدة إلى حرب مع إيران إذا وجد أنها تضعف أوباما انتخابياً. ننتظر وسنرى. [email protected]